العلم دراسة الأكوان كانت هي حياتي طول الوقت.. ممكن أقعد ماكلش ولا أشرب طول اليوم لو كنت بدرس وبعمل تجارب خاصة بيا..!
أنا فيزيائي متخصص في ميكانيكا الكم، والعقل المدبر ورا مشروع سري المفروض إنه يغير مفهومنا عن الواقع.. أنا مش من النوع اللي بيصدق في الخرافات أو النظريات اللي مفيش دليل علمي عليها، لكن اللي شفته بعيني كان خارج أي منطق… كان حاجة أبعد من العلم نفسه.
كل حاجة بدأت جوه "مختبر 13"، منشأة تحت الأرض بتديرها جهة سرية، أبحاثنا كانت ممنوعة حتى من الحكومة، ومع ذلك التمويل مفتوح، والموارد مفيش حد بيحاسبنا عليها.. المشروع بتاعنا اسمه "المكثف الكوانتي"، فكرة ببساطة إنها تثبت نظرية العوالم المتعددة، بس مش مجرد إثبات رياضي، إحنا كنا عايزين نفتح بوابة ونشوف بعنينا العوالم التانية والموازية لينا.. عايزين نخترق حاجز الازمة في الكون ونشوف كل الخفايا الموجودة في الظلام..
كنت مقتنع إن كل قرار في حياتنا بيخلق واقع مختلف، عالم موازي بيتفرع، لحظة اختيارك تروح يمين بدل شمال، نسخة منك بتكمل حياتها في اتجاه، والنسخة التانية في اتجاه مختلف تمامًا… لكن إيه اللي بيحصل لو قدرت توصل للعوالم دي؟ إيه اللي ممكن تلاقيه هناك؟
كل الحسابات كانت صح، التجهيزات كلها على أعلى مستوى، وصلنا للمرحلة الحاسمة.. الفريق كان مجهز نفسه لأي سيناريو، أو ده اللي كنا فاكرينه.
أتكلم زميلي أكرم وقالي..
-- دكتور ياسين، جاهزين للتشغيل؟
بصيت على زميلي أكرم، مهندس البرمجة، كان صوته متوتر، ورا ابتسامته المصطنعة كان فيه خوف واضح.
- جاهزين يا أكرم متقلقش، لو التجربة نجحت، العالم كله هيتغير
-- لكن يا ياسين… هل كان لازم العالم يتغير؟
اتجاهلت سؤاله كإني مسمعتهوش..
وقفت قدام "المكثف الكوانتي"، الجهاز كان عملاق، شبكة من الموصلات الفائقة، مع مجال كهرومغناطيسي بيدور حواليه كإنه كائن حي بيتنفس.. الحاجات دي مش بس بتحتاج تكنولوجيا متقدمة، دي بتحتاج ناس عندهم جرأة كافية إنهم يلعبوا مع الكون نفسه.
ابتسمت قدام المكثف إبتسامة المجنون الليـ حط حياته بالكامل على أمل نجاح تجربة..
مسكت الميكروفون، وقلت بصوت ثابت:-
- تشغيل أولي للمكثف، 1....2....3 تشغيل !
ضغطت على الزر بثبات.. لحظات من الهدوء في جزء من الثانية ومن بعدها العالم كله اتهز !!
مش مجرد اهتزاز بسيط، الأرض نفسها كانت بتتنفس! كل جزيء في الهوى كان بيرتعش، كل شيء في غرفة كان غير مرئي من ذرات غبار بدأ يظهر تأثيره على المكان !!
والضوء في المعمل بدأ يتغير.! اللون الأزرق بتاع الشاشات قلب لموجات غير مستقرة، كإن الواقع نفسه مش عارف يستوعب اللي بيحصل.. عيني اتسعت عن آخرها لما شوفت المنظر قدامي !!
اتفتح الشق.
مش مجرد ضوء أو شرارة كهربية… لا، ده كان باب.
بوابة سوداء، مش زي اللي بنشوفها في أفلام الخيال العلمي، مكنش وهم ولا مجرد اشعاعات اتكونت، كان شق في الوجود نفسه جزء من عالمنا فتحت بوابة في اللاشيء !.. شفت من خلاله عالم تاني..
في الأول، افتكرت إنه انعكاس… كإننا فتحنا فتحة لمكان شبه المعمل بتاعنا، نفس الأجهزة، نفس الأضواء، لكن كان فيه حاجة غلط. كل حاجة كانت مشوهة، كإنها نسخة مكسورة من المكان.
وفجأة… شفت نفسي.!
واقف هناك، مش مجرد انعكاس، لا، كان أنا.. بس الحقيقة من نظراته وطريقته عرفت إنه مش أنا..
كان عنده نفس ملامحي، لكن جلده أغمق شوية، عيونه مش طبيعية، كإن السواد فيها أعمق من أي حاجة شفتها قبل كده. كان لابس نفس المعطف المعملي، لكن متقطع… ومتوسخ... كان واقف ساكت، شايفني وبيراقبني من خلال البوابة الليـ اتفتحت .
اكرم إتكلم بنبرة صارخة وكلها رعب وخوف..
-- إيه ده...؟؟
صوت أكرم كان بيترعش، وسمعت صوت زميلتنا "دينا" وهي بتقول بهمس من المفترض يكون في سرها، لكن مفيش حاجة هتستخبى دلوقتي..
--- يا نهار إسود !
لكن أنا ؟ أنا كنت مشدود ناحية الشخص اللي في الناحية التانية.. كنت متجمد مكاني، مش قادر أفكر، مش قادر حتى أتنفس كويس.. عقلي كان بيصرخ، بيحاول يقنعني إن الليـ شايفه مستحيل… لكن الحقيقة كانت واقفة قدامي، بصورة مرعبة.
وبعدين، الشخص اللي في الناحية التانية… ابتسم.
مش ابتسامة عادية، مش ابتسامة فيها ألفة، لا، دي كانت ابتسامة شخص فاهم حاجة إحنا مش فاهمينها.
وفي اللحظة دي… كل حاجة انفجرت.
الشق اتوسع فجأة! المعمل اتهز، الأجهزة بدأت تدي قراءات مش مفهومة بسرعة مبالغ فيها، والهواء بقى تقيل، تقيل كإننا تحت ضغط محيطي مهول.. كل حاجة حوالينا بدأت تتشوه، الأرض نفسها كانت بتتحرك، كإنها بتسيح، وكإن الواقع بيتكسر تحت رجلينا.
أكرم صرخ:
-- اقفله!! اقفله يا ياسين بسرعة!!
مديت إيدي للوحة التحكم، لكن الإيد التانية سبقتني..!
الإيد دي… مكانتش بتاعتي.
"الشخص الليـ شبهي في الناحية التانية مد إيده عبر الشق، ومسك إيدي.
لمسته كانت باردة… باردة بطريقة مش طبيعية.
جسمي كله تشنج، عيني سابت الشاشة وبصتله… ووقتها عرفت إن اللي بيحصل ده مش مجرد تجربة علمية خرجت عن السيطرة.. ده كان كابوس، مصيبة إحنا عملناها وكنا سبب فيها !!
حاجة من العالم التاني… كانت بتحاول تدخل عالمنا..
وبعدين… كل حاجة اتحولت للظلام..
المكان كله بقى كحل، محدش شايف حاجة…
مبقتش حاسس بالوقت.. أنا مش متأكد من المدة اللي فضلت فيها في العتمة دي.. هل كانت لحظات؟ دقايق؟ ساعات؟ مقدرتش أحسب، لأن الوقت نفسه مكانش ثابت.
حسيت بجسمي بيتقل، كإن الجاذبية بتتغير حواليا، عقلي كان بيحاول يترجم اللي بيحصل لكنه فشل. كنت في مكان بين الحياة والموت، بين الواقع والفراغ..
وفجأة… رجعت.
وعلى صوت انفجار مدوي، فتحت عينيّ، وكنت على الأرض في وسط المختبر.. الأضواء كانت ساطعة، صوت الإنذارات كان مزلزل، وأكرم كان واقف جنبي وهو بيهزني بعنف
-- ياسين! فوق! انت كويس؟
لكن قبل ما أرد… حسيت بحاجة غلط.
في حاجة ناقصة مش مضبوطة في المكان، عيني اتجهت في كل مكان بسرعة وكإني بتشيك على التجربة ونتايجها..
بصيت بسرعة… البوابة كانت مقفولة..
لكن المشكلة مش في كده.. المشكلة كانت في الإحساس اللي جوايا.
أنا حاسس بحاجة متغيرة جوايا، بإني مش نفس الشخص !
حاولت أقوم، لكن جسمي كان تقيل بطريقة غريبة، كإن كل عضلة فيه بتقاوم الحركة.. بصيت في مراية صغيرة جنب الأجهزة… ووقفت مكاني.
عينيا… كانت مختلفة..
مش بتاعتي، لا… مش بنفس الدرجة اللي كنت أعرفها.. في حاجة تانية مستخبية جواهم، حاجة بتراقبني من جوا..
اتعلم أكرم بكل ذعر وخوف وهو بيقولي
"إحنا قفلنا البوابة بس إنت كنت واقف هناك، وبعدين وقعت… إنت كويس؟ حصل لك إيه؟
حاولت أرد عليه… لكن لساني تقيل، مش حاسس بإني عايز أقول حاجة، كل الليـ بيطاردني هو إحساس بالتغيير وبالفراغ الداخلي..
في الليلة دي طلبت منهم يسيبوني وقررت أنام في المختبر.. الفريق كله كان متوتر بعد اللي حصل، محدش كان قادر يستوعب اللي شافه.. كنت سامع همسات دينا وأكرم وهما بيتكلموا بعيد عني قبل ما يمشوا من المختبر
كنت سامع دينا وهي بتقول
--- إنت متأكد إنه هو؟
-- أيوه… بس في حاجة مش مظبوطة.. بصي في عيونه، مش هو نفس ياسين اللي نعرفه، عينيه شاحبه بطريقة غريبة..
بليل، وأنا لوحدي، قمت أدور في المختبر، وكان الإحساس الغريب لسه موجود.. زي ما يكون في حد مستحوذ على جسمي، أو بيشاركني في الجسم والعقل.. زي ما يكون جزء مني منفصل… وبيراقبني.
مشيت لحد لوحة التحكم، وشغّلت آخر تسجيل للمراقبة وقت فتح الشق.
اللقطات كانت زي ما فكرت… لحد ما وصلت للحظة اللي فيها الشخص الليـ بيشبهني الناحية التانية مسك إيدي..
وهنا شفت الكارثة.
الشخص اللي في الناحية التانية… مكنش أنا.
في اللحظة اللي لمست إيده، وشي على الكاميرا اتغير واتحول..
كان لساني بينطق "اقفل الجهاز"، لكن الصوت… مكانش صوتي. كان فيه طبقة تانية تحته، صوت أعمق، صوت مليان شيء… غير بشري.
فجأة حسيت برجلي بتتجمد مكانها..
= إنت مش لوحدك
الصوت جه من ورايا.
اتجمدت، حرفيًا قلبي وقع في رجلي، العرق غرق جسمي كله… أنا لوحدي في المختبر.. أو المفروض أكون لوحدي.
لفيت ببطء…
وهو كان هناك.
واقف عند باب المختبر.
كان أنا… لكن مش أنا.
جسده نفس جسدي، تفاصيل وشي نفس اللي شوفته في المراية، لكن عيونه؟ لا… مش عيون بشرية.
عيونه كانت سودا بالكامل، بلا قرار، كإنها بتحتوي فراغ العالم كله جواها
ابتسم ابتسامة باردة… وقال:
= متخفش، تجربتك نجحت.. إحنا دلوقتي بقينا واحد !
حاولت أتحرك… لكن جسمي مكنش بيستجيب.
أوتاري نفسها متجمدة، عقلي بيدي أوامر لكن عضلاتي بترفض تنفذ.. الإحساس كان غريب، كإني بقيت محبوس جوا جسمي !، مجرد متفرج على اللي بيحصل حواليا.
الشخص اللي شبهي.. كان واقف بنفس هدوئي، بنفس وضعي، بنفس التنفس.. لكن كان فيه حاجة في عيونه بتقول إنه مش بني آدم.
"إحنا بقينا واحد."
كلمته لسه بتدوي في وداني. الصوت كان صوتي، لكنه كان مزدوج.
- إنت... إنت مين ؟؟
ضحك.. نفس الضحكة اللي كنت بضحكها لما بفهم حاجة عويصة في الرياضيات، لكن فيها حاجة باردة، كإنها طالعة من فراغ مش من شخص.
= أنا إنت… بس مش إنت عمرك ما هتكون أنا
اتقدمت خطوات ناحيته بحذر وأنا بدقق النظر فيه.. ابتسم بكل هدوء وبدأ يستكمل كلامه..
= أنا من عالم تاني، عالم شبيه بعالمك… بس مختلف شوية... عندنا البشر ماشيين في خط مستقيم، إنما عندكم البشر شايفين نفسهم أسياد الكون.. بكل بساطة إحنا فهمنا الحقيقة، وإنت كنت بوابتنا..
- بوابتكم ؟!
= إنت فتحت الباب… وإحنا دخلنا
عقلي مكنش مستوعب كلامه وهو بيتكلم بصيغة الجمع...
- بوابتكم ؟ إحنا ؟؟ في كام واحد زيك ؟
= أكتر مما تقدر تتخيل
الشرخ بدأ يظهر من جديد..
في اللحظة دي، بدأ المختبر يهتز.. أصوات الأجهزة كانت بتطلع تحذيرات، المؤشرات كانت بتسجل بيانات غريبة، المكان كله بيتحول لحاجة غير مستقرة..
صوت دينا وأكرم كانوا بره، بينادوا عليا، لكني مش قادر أرد.. كنت متسمر مكاني، شايف الشخص اللي قدامي وهو بيرفع إيده ناحيتي.
= دلوقتي… هنعمل تبادل كامل
في أقل من ثانية، جسيت بجسمي كله بيتسحب...
مش مجرد إحساس عادي، لا… ده كان اقتحام.
حسيت بوعيي بيتفتت، بينفصل، وشيء جديد كان بيحل مكاني. عقلي بيقاوم، لكن الشعور ده كان أقوى مني.
لكن… حصل شيء غريب.
في اللحظة اللي حسيت فيها إني بفقد السيطرة، سمعت صوت…
مكنش صوت شبيهي ولا كان صوتي.. لكن صوت تالت… من جوة عقلي كان بيقولي..
"اهرب!"
جسدي اتحرك لوحده..
لقيت نفسي برجع بسرعة ناحية لوحة التحكم، وكل عضلة في جسمي بتصرخ من الألم، لكني موقفتش ولا اهتميت..
الشخص اللي شبهي صرخ صرخة غريبة، مش بشرية..
= مستحيل.. المفروض متقدرش تتحرك !
بإيد مرتعشة، ضغطت على الزر الأحمر الكبير… زر التدمير الذاتي للمكثف الكوانتي..
المختبر كله اهتز بعنف.
الشق اللي اتفتح قبل كده بدأ يظهر تاني، لكن المرة دي بشكل غير مستقر.
النسخة المشوهة مني بصت ليا بذهول… وبعدين بدأت تتكسر..
حرفيًا، جسمه بدأ يتفتت ، كل جزء منه بيتحول لأشلاء من الظلام، كإن الفراغ بدأ يبتلعه جواه..
نظراته الليـ كلها غضب ورغبة في الإنتقام مني كانت آخر حاجة أشوفها..
كانت آخر حاجة قالها قبل ما يختفي.
= تفتكر دي النهاية… ولا البداية؟
وبعدها الدنيا اسودت..
حسيت بنفسي اني بتسحب وبرجع تاني … برجع لعالمي.
صحيت بعدها بوقت مش عارف مقداره، لقيت نفسي في المستشفى، وإيدي متوصلة بأجهزة.
أكرم كان واقف جنبي، ووشه باين عليه الرعب.
-- إنت… إنت رجعت يا ياسين ؟
- رجعت؟، قصدك إيه ؟
أكرم قرب مني وهمس بصوت مرتعش:
-- إحنا قفلنا البوابة يا ياسين
- قعدت افكر للحظات، لو كان أكلم هو اللي قفل البوابة، كدا أنا كنت فين طول الوقت دا ؟ وازاي انا دمرت الجهاز ؟
كل حاجة تداخلت في بعض مبقتش عارف أنا كنت في العالم الحقيقي فعلا ولا في بعد موازي، افتكرت الصوت اللي قالي أهرب.. يظهر ان نسختي كان عندها حق.. مكنش واحد بس، دول كانوا مجموعة من النسخ اللي فتحنالها بوابتنا.. يمكن نسخة واحدة قدرت تساعدني..
أكرم كان واقف جمبي متوتر وحسيته عايز يقول حاجة..
- مالك يا أكرم..؟
رد عليا بتوتر
-- عارف المشكلة فين؟
بلعت ريقي بصعوبة، وقلت بصوت ضعيف:
- فين؟
بصلي بعيون كلها فقدان أمل ورعب وقال:
-- الدينا بره… مش زي ما سبناها..
- !!
لو عجبتكم انزل تاني
أنا فيزيائي متخصص في ميكانيكا الكم، والعقل المدبر ورا مشروع سري المفروض إنه يغير مفهومنا عن الواقع.. أنا مش من النوع اللي بيصدق في الخرافات أو النظريات اللي مفيش دليل علمي عليها، لكن اللي شفته بعيني كان خارج أي منطق… كان حاجة أبعد من العلم نفسه.
كل حاجة بدأت جوه "مختبر 13"، منشأة تحت الأرض بتديرها جهة سرية، أبحاثنا كانت ممنوعة حتى من الحكومة، ومع ذلك التمويل مفتوح، والموارد مفيش حد بيحاسبنا عليها.. المشروع بتاعنا اسمه "المكثف الكوانتي"، فكرة ببساطة إنها تثبت نظرية العوالم المتعددة، بس مش مجرد إثبات رياضي، إحنا كنا عايزين نفتح بوابة ونشوف بعنينا العوالم التانية والموازية لينا.. عايزين نخترق حاجز الازمة في الكون ونشوف كل الخفايا الموجودة في الظلام..
كنت مقتنع إن كل قرار في حياتنا بيخلق واقع مختلف، عالم موازي بيتفرع، لحظة اختيارك تروح يمين بدل شمال، نسخة منك بتكمل حياتها في اتجاه، والنسخة التانية في اتجاه مختلف تمامًا… لكن إيه اللي بيحصل لو قدرت توصل للعوالم دي؟ إيه اللي ممكن تلاقيه هناك؟
كل الحسابات كانت صح، التجهيزات كلها على أعلى مستوى، وصلنا للمرحلة الحاسمة.. الفريق كان مجهز نفسه لأي سيناريو، أو ده اللي كنا فاكرينه.
أتكلم زميلي أكرم وقالي..
-- دكتور ياسين، جاهزين للتشغيل؟
بصيت على زميلي أكرم، مهندس البرمجة، كان صوته متوتر، ورا ابتسامته المصطنعة كان فيه خوف واضح.
- جاهزين يا أكرم متقلقش، لو التجربة نجحت، العالم كله هيتغير
-- لكن يا ياسين… هل كان لازم العالم يتغير؟
اتجاهلت سؤاله كإني مسمعتهوش..
وقفت قدام "المكثف الكوانتي"، الجهاز كان عملاق، شبكة من الموصلات الفائقة، مع مجال كهرومغناطيسي بيدور حواليه كإنه كائن حي بيتنفس.. الحاجات دي مش بس بتحتاج تكنولوجيا متقدمة، دي بتحتاج ناس عندهم جرأة كافية إنهم يلعبوا مع الكون نفسه.
ابتسمت قدام المكثف إبتسامة المجنون الليـ حط حياته بالكامل على أمل نجاح تجربة..
مسكت الميكروفون، وقلت بصوت ثابت:-
- تشغيل أولي للمكثف، 1....2....3 تشغيل !
ضغطت على الزر بثبات.. لحظات من الهدوء في جزء من الثانية ومن بعدها العالم كله اتهز !!
مش مجرد اهتزاز بسيط، الأرض نفسها كانت بتتنفس! كل جزيء في الهوى كان بيرتعش، كل شيء في غرفة كان غير مرئي من ذرات غبار بدأ يظهر تأثيره على المكان !!
والضوء في المعمل بدأ يتغير.! اللون الأزرق بتاع الشاشات قلب لموجات غير مستقرة، كإن الواقع نفسه مش عارف يستوعب اللي بيحصل.. عيني اتسعت عن آخرها لما شوفت المنظر قدامي !!
اتفتح الشق.
مش مجرد ضوء أو شرارة كهربية… لا، ده كان باب.
بوابة سوداء، مش زي اللي بنشوفها في أفلام الخيال العلمي، مكنش وهم ولا مجرد اشعاعات اتكونت، كان شق في الوجود نفسه جزء من عالمنا فتحت بوابة في اللاشيء !.. شفت من خلاله عالم تاني..
في الأول، افتكرت إنه انعكاس… كإننا فتحنا فتحة لمكان شبه المعمل بتاعنا، نفس الأجهزة، نفس الأضواء، لكن كان فيه حاجة غلط. كل حاجة كانت مشوهة، كإنها نسخة مكسورة من المكان.
وفجأة… شفت نفسي.!
واقف هناك، مش مجرد انعكاس، لا، كان أنا.. بس الحقيقة من نظراته وطريقته عرفت إنه مش أنا..
كان عنده نفس ملامحي، لكن جلده أغمق شوية، عيونه مش طبيعية، كإن السواد فيها أعمق من أي حاجة شفتها قبل كده. كان لابس نفس المعطف المعملي، لكن متقطع… ومتوسخ... كان واقف ساكت، شايفني وبيراقبني من خلال البوابة الليـ اتفتحت .
اكرم إتكلم بنبرة صارخة وكلها رعب وخوف..
-- إيه ده...؟؟
صوت أكرم كان بيترعش، وسمعت صوت زميلتنا "دينا" وهي بتقول بهمس من المفترض يكون في سرها، لكن مفيش حاجة هتستخبى دلوقتي..
--- يا نهار إسود !
لكن أنا ؟ أنا كنت مشدود ناحية الشخص اللي في الناحية التانية.. كنت متجمد مكاني، مش قادر أفكر، مش قادر حتى أتنفس كويس.. عقلي كان بيصرخ، بيحاول يقنعني إن الليـ شايفه مستحيل… لكن الحقيقة كانت واقفة قدامي، بصورة مرعبة.
وبعدين، الشخص اللي في الناحية التانية… ابتسم.
مش ابتسامة عادية، مش ابتسامة فيها ألفة، لا، دي كانت ابتسامة شخص فاهم حاجة إحنا مش فاهمينها.
وفي اللحظة دي… كل حاجة انفجرت.
الشق اتوسع فجأة! المعمل اتهز، الأجهزة بدأت تدي قراءات مش مفهومة بسرعة مبالغ فيها، والهواء بقى تقيل، تقيل كإننا تحت ضغط محيطي مهول.. كل حاجة حوالينا بدأت تتشوه، الأرض نفسها كانت بتتحرك، كإنها بتسيح، وكإن الواقع بيتكسر تحت رجلينا.
أكرم صرخ:
-- اقفله!! اقفله يا ياسين بسرعة!!
مديت إيدي للوحة التحكم، لكن الإيد التانية سبقتني..!
الإيد دي… مكانتش بتاعتي.
"الشخص الليـ شبهي في الناحية التانية مد إيده عبر الشق، ومسك إيدي.
لمسته كانت باردة… باردة بطريقة مش طبيعية.
جسمي كله تشنج، عيني سابت الشاشة وبصتله… ووقتها عرفت إن اللي بيحصل ده مش مجرد تجربة علمية خرجت عن السيطرة.. ده كان كابوس، مصيبة إحنا عملناها وكنا سبب فيها !!
حاجة من العالم التاني… كانت بتحاول تدخل عالمنا..
وبعدين… كل حاجة اتحولت للظلام..
المكان كله بقى كحل، محدش شايف حاجة…
مبقتش حاسس بالوقت.. أنا مش متأكد من المدة اللي فضلت فيها في العتمة دي.. هل كانت لحظات؟ دقايق؟ ساعات؟ مقدرتش أحسب، لأن الوقت نفسه مكانش ثابت.
حسيت بجسمي بيتقل، كإن الجاذبية بتتغير حواليا، عقلي كان بيحاول يترجم اللي بيحصل لكنه فشل. كنت في مكان بين الحياة والموت، بين الواقع والفراغ..
وفجأة… رجعت.
وعلى صوت انفجار مدوي، فتحت عينيّ، وكنت على الأرض في وسط المختبر.. الأضواء كانت ساطعة، صوت الإنذارات كان مزلزل، وأكرم كان واقف جنبي وهو بيهزني بعنف
-- ياسين! فوق! انت كويس؟
لكن قبل ما أرد… حسيت بحاجة غلط.
في حاجة ناقصة مش مضبوطة في المكان، عيني اتجهت في كل مكان بسرعة وكإني بتشيك على التجربة ونتايجها..
بصيت بسرعة… البوابة كانت مقفولة..
لكن المشكلة مش في كده.. المشكلة كانت في الإحساس اللي جوايا.
أنا حاسس بحاجة متغيرة جوايا، بإني مش نفس الشخص !
حاولت أقوم، لكن جسمي كان تقيل بطريقة غريبة، كإن كل عضلة فيه بتقاوم الحركة.. بصيت في مراية صغيرة جنب الأجهزة… ووقفت مكاني.
عينيا… كانت مختلفة..
مش بتاعتي، لا… مش بنفس الدرجة اللي كنت أعرفها.. في حاجة تانية مستخبية جواهم، حاجة بتراقبني من جوا..
اتعلم أكرم بكل ذعر وخوف وهو بيقولي
"إحنا قفلنا البوابة بس إنت كنت واقف هناك، وبعدين وقعت… إنت كويس؟ حصل لك إيه؟
حاولت أرد عليه… لكن لساني تقيل، مش حاسس بإني عايز أقول حاجة، كل الليـ بيطاردني هو إحساس بالتغيير وبالفراغ الداخلي..
في الليلة دي طلبت منهم يسيبوني وقررت أنام في المختبر.. الفريق كله كان متوتر بعد اللي حصل، محدش كان قادر يستوعب اللي شافه.. كنت سامع همسات دينا وأكرم وهما بيتكلموا بعيد عني قبل ما يمشوا من المختبر
كنت سامع دينا وهي بتقول
--- إنت متأكد إنه هو؟
-- أيوه… بس في حاجة مش مظبوطة.. بصي في عيونه، مش هو نفس ياسين اللي نعرفه، عينيه شاحبه بطريقة غريبة..
بليل، وأنا لوحدي، قمت أدور في المختبر، وكان الإحساس الغريب لسه موجود.. زي ما يكون في حد مستحوذ على جسمي، أو بيشاركني في الجسم والعقل.. زي ما يكون جزء مني منفصل… وبيراقبني.
مشيت لحد لوحة التحكم، وشغّلت آخر تسجيل للمراقبة وقت فتح الشق.
اللقطات كانت زي ما فكرت… لحد ما وصلت للحظة اللي فيها الشخص الليـ بيشبهني الناحية التانية مسك إيدي..
وهنا شفت الكارثة.
الشخص اللي في الناحية التانية… مكنش أنا.
في اللحظة اللي لمست إيده، وشي على الكاميرا اتغير واتحول..
كان لساني بينطق "اقفل الجهاز"، لكن الصوت… مكانش صوتي. كان فيه طبقة تانية تحته، صوت أعمق، صوت مليان شيء… غير بشري.
فجأة حسيت برجلي بتتجمد مكانها..
= إنت مش لوحدك
الصوت جه من ورايا.
اتجمدت، حرفيًا قلبي وقع في رجلي، العرق غرق جسمي كله… أنا لوحدي في المختبر.. أو المفروض أكون لوحدي.
لفيت ببطء…
وهو كان هناك.
واقف عند باب المختبر.
كان أنا… لكن مش أنا.
جسده نفس جسدي، تفاصيل وشي نفس اللي شوفته في المراية، لكن عيونه؟ لا… مش عيون بشرية.
عيونه كانت سودا بالكامل، بلا قرار، كإنها بتحتوي فراغ العالم كله جواها
ابتسم ابتسامة باردة… وقال:
= متخفش، تجربتك نجحت.. إحنا دلوقتي بقينا واحد !
حاولت أتحرك… لكن جسمي مكنش بيستجيب.
أوتاري نفسها متجمدة، عقلي بيدي أوامر لكن عضلاتي بترفض تنفذ.. الإحساس كان غريب، كإني بقيت محبوس جوا جسمي !، مجرد متفرج على اللي بيحصل حواليا.
الشخص اللي شبهي.. كان واقف بنفس هدوئي، بنفس وضعي، بنفس التنفس.. لكن كان فيه حاجة في عيونه بتقول إنه مش بني آدم.
"إحنا بقينا واحد."
كلمته لسه بتدوي في وداني. الصوت كان صوتي، لكنه كان مزدوج.
- إنت... إنت مين ؟؟
ضحك.. نفس الضحكة اللي كنت بضحكها لما بفهم حاجة عويصة في الرياضيات، لكن فيها حاجة باردة، كإنها طالعة من فراغ مش من شخص.
= أنا إنت… بس مش إنت عمرك ما هتكون أنا
اتقدمت خطوات ناحيته بحذر وأنا بدقق النظر فيه.. ابتسم بكل هدوء وبدأ يستكمل كلامه..
= أنا من عالم تاني، عالم شبيه بعالمك… بس مختلف شوية... عندنا البشر ماشيين في خط مستقيم، إنما عندكم البشر شايفين نفسهم أسياد الكون.. بكل بساطة إحنا فهمنا الحقيقة، وإنت كنت بوابتنا..
- بوابتكم ؟!
= إنت فتحت الباب… وإحنا دخلنا
عقلي مكنش مستوعب كلامه وهو بيتكلم بصيغة الجمع...
- بوابتكم ؟ إحنا ؟؟ في كام واحد زيك ؟
= أكتر مما تقدر تتخيل
الشرخ بدأ يظهر من جديد..
في اللحظة دي، بدأ المختبر يهتز.. أصوات الأجهزة كانت بتطلع تحذيرات، المؤشرات كانت بتسجل بيانات غريبة، المكان كله بيتحول لحاجة غير مستقرة..
صوت دينا وأكرم كانوا بره، بينادوا عليا، لكني مش قادر أرد.. كنت متسمر مكاني، شايف الشخص اللي قدامي وهو بيرفع إيده ناحيتي.
= دلوقتي… هنعمل تبادل كامل
في أقل من ثانية، جسيت بجسمي كله بيتسحب...
مش مجرد إحساس عادي، لا… ده كان اقتحام.
حسيت بوعيي بيتفتت، بينفصل، وشيء جديد كان بيحل مكاني. عقلي بيقاوم، لكن الشعور ده كان أقوى مني.
لكن… حصل شيء غريب.
في اللحظة اللي حسيت فيها إني بفقد السيطرة، سمعت صوت…
مكنش صوت شبيهي ولا كان صوتي.. لكن صوت تالت… من جوة عقلي كان بيقولي..
"اهرب!"
جسدي اتحرك لوحده..
لقيت نفسي برجع بسرعة ناحية لوحة التحكم، وكل عضلة في جسمي بتصرخ من الألم، لكني موقفتش ولا اهتميت..
الشخص اللي شبهي صرخ صرخة غريبة، مش بشرية..
= مستحيل.. المفروض متقدرش تتحرك !
بإيد مرتعشة، ضغطت على الزر الأحمر الكبير… زر التدمير الذاتي للمكثف الكوانتي..
المختبر كله اهتز بعنف.
الشق اللي اتفتح قبل كده بدأ يظهر تاني، لكن المرة دي بشكل غير مستقر.
النسخة المشوهة مني بصت ليا بذهول… وبعدين بدأت تتكسر..
حرفيًا، جسمه بدأ يتفتت ، كل جزء منه بيتحول لأشلاء من الظلام، كإن الفراغ بدأ يبتلعه جواه..
نظراته الليـ كلها غضب ورغبة في الإنتقام مني كانت آخر حاجة أشوفها..
كانت آخر حاجة قالها قبل ما يختفي.
= تفتكر دي النهاية… ولا البداية؟
وبعدها الدنيا اسودت..
حسيت بنفسي اني بتسحب وبرجع تاني … برجع لعالمي.
صحيت بعدها بوقت مش عارف مقداره، لقيت نفسي في المستشفى، وإيدي متوصلة بأجهزة.
أكرم كان واقف جنبي، ووشه باين عليه الرعب.
-- إنت… إنت رجعت يا ياسين ؟
- رجعت؟، قصدك إيه ؟
أكرم قرب مني وهمس بصوت مرتعش:
-- إحنا قفلنا البوابة يا ياسين
- قعدت افكر للحظات، لو كان أكلم هو اللي قفل البوابة، كدا أنا كنت فين طول الوقت دا ؟ وازاي انا دمرت الجهاز ؟
كل حاجة تداخلت في بعض مبقتش عارف أنا كنت في العالم الحقيقي فعلا ولا في بعد موازي، افتكرت الصوت اللي قالي أهرب.. يظهر ان نسختي كان عندها حق.. مكنش واحد بس، دول كانوا مجموعة من النسخ اللي فتحنالها بوابتنا.. يمكن نسخة واحدة قدرت تساعدني..
أكرم كان واقف جمبي متوتر وحسيته عايز يقول حاجة..
- مالك يا أكرم..؟
رد عليا بتوتر
-- عارف المشكلة فين؟
بلعت ريقي بصعوبة، وقلت بصوت ضعيف:
- فين؟
بصلي بعيون كلها فقدان أمل ورعب وقال:
-- الدينا بره… مش زي ما سبناها..
- !!
لو عجبتكم انزل تاني