فصحي قصيرة عنوان القصة: "بيت العيلة"

ابن المديرة

ميلفاوي رايق
عضو
ناشر صور
ميلفاوي متفاعل
إنضم
9 يونيو 2025
المشاركات
229
مستوى التفاعل
236
النقاط
0
نقاط
2,159
النوع
ذكر
الميول
طبيعي
الجزء الأول: علياء والواجهة اللامعة

كان صباح يوم جمعة هادئ، تسلل فيه ضوء الشمس من بين ستائر الشقة الفاخرة في الطابق الثاني من بيت العيلة. استيقظت علياء على أنغام موسيقى هادئة، وهي عادة درجت عليها منذ زواجها من عماد، رجل الأعمال الشاب الأنيق الذي يحب كل ما هو راقٍ ومترف.

فتحت علياء عينيها على منظر الغرفة المرتبة بعناية: زهور اصطناعية في الزوايا، ستائر فرنسية ثقيلة، وعطر خفيف من ماركتها المفضلة يملأ الجو. كل شيء مثالي كما تحب. نظرت إلى جانبها، عماد لم يكن في السرير. "أكيد نزل على الكافيه بتاعه"، تمتمت.

نزلت إلى المطبخ، ترتدي روبها الحريري، وبدأت تعد القهوة. كانت تعرف أن وقت الهدوء هذا لن يدوم. العيلة كلها تتحرك يوم الجمعة. الجد عثمان والجدة مديحة يستقبلون الزوار، الأولاد في الشقق الأخرى يتحركون كخلية نحل، ومن حين لآخر، تلتقي العيون وتبدأ الحكايات المتبادلة.

لكن علياء كانت تعرف أن كل الوجوه الهادئة تخفي عواصف.

من الخارج، بدت حياتها مثالية. زوج وسيم، رحلات متكررة، ملابس من الماركات العالمية، شقة كأنها من كتالوج. ولكن في الداخل، كانت تعرف أن عماد ينام على سرٍ كبير. شيء لم تسأله عنه، وفضلت أن تتجاهله... حتى بدأت تلاحظ غيابه المتكرر، نظراته الزائغة، ورسائل الهاتف الممسوحة بسرعة.

وفي يوم، بينما كانت ترتب درج عماد بحثًا عن بطارية، وجدت ورقة مطوية داخل كتاب. فتحتها، وكانت صدمة: صورة لفتاة شابة، رسالة مكتوبة بخط أنثوي: "أنا مش هفضل مستخبية أكتر من كده، اختار يا عماد."

الصدمة مزقتها من الداخل. لم تصرخ، لم تواجهه. وضعت الورقة في مكانها، وابتسمت كأن شيئًا لم يكن. لكنها من يومها بدأت تخطط.

في بيت العيلة لا أحد ينهار أمام الآخر. كل شخص يرتدي قناعه بإتقان.

بدأت علياء تراقب... منال زوجة حسن تنظر إلى مرآتها كثيرًا مؤخرًا، وتخرج وحدها كثيرًا. مراد يدخل ويخرج بصمت، وصفاء ابنته تتهرب من عيون الجميع وتختبئ في غرفتها أكثر مما يجب. والجد عثمان، رغم هيبته، بدأت همساته الهاتفية تصل أحيانًا لعلياء في الليالي المتأخرة.

كانت تعرف أن الجميع يخبئ شيئًا... لكنها لم تتوقع أن يبدأ كل شيء بالانفجار في ليلة واحدة، حين وصلتها صورة من رقم مجهول. صورة كانت كفيلة بتغيير كل شيء.

في الصورة: عماد، شاب غريب، وفتاة في أوضاع لا تقبل التأويل.


الجزء الثاني: لعبة الأقنعة (استكمال من وجهة نظر علياء)

في تلك الليلة، جلست علياء على حافة سريرها، تمسك بهاتفها المرتجف والصورة التي لن تُمحى من ذاكرتها بسهولة. لم تكن فقط صورة خيانة، بل إعلان حرب.

وضعت الهاتف بهدوء، ارتدت فستانًا أسود بسيطًا، وسرّحت شعرها بعناية. لم تكن على وشك المواجهة، بل كانت تستعد للدور الجديد الذي ستلعبه: المرأة التي تعرف، وتبتسم، وتخطط.

نزلت إلى طابق الجد والجدة، حيث بدأ الجميع يتجمع كعادتهم مساء الجمعة. الضحكات تتعالى، رائحة الطعام تملأ البيت، وأصوات المراهقين تتناثر من الشرفات.

رأت عماد هناك، يتحدث مع مراد، يضحك كأن لا شيء يحدث. اقتربت منه، طبعت قبلة خفيفة على خده، وهمست له:
"صورتك طلعت حلوة قوي... بس البنت مش لايقة على ذوقك، عماد."

جحظت عيناه، شحب وجهه، لكن لم ينبس بكلمة. وعلياء... علياء فقط ابتسمت، وابتعدت ببطء.

هنا بدأت اللعبة.

في الأيام التالية، بدأت علياء تفتح عينيها أكثر على كل من في البيت. لم تعد مشغولة فقط بمظهرها أو حسابات الإنستغرام الفاخرة، بل أصبحت تراقب، تسمع، وتربط الأحداث.

منال، زوجة حسن، كانت تتلقى مكالمات طويلة وهي في شرفة شقتها. مرة من مرات، نسيت قفل هاتفها، وخرج صوت رجل يقول:
"أنا مش هستنى كتير، يا منال."

في اليوم التالي، أرسلت علياء لمنال بوكيه ورد ضخم، مرفق برسالة صغيرة مكتوب فيها:
"مش لازم دايمًا نختار ما بين الحلال والراحة. أوقات الاتنين بيجوا مع بعض... بس نادرًا."

منال لم ترد، لكنها من يومها بدأت تتهرب من علياء.

أما صفاء، ابنة مراد، فقد كانت أكثر غموضًا من غيرها. فتاة ذكية، هادئة، لكن عيناها تحملان توترًا دفينًا. ذات مساء، دخلت علياء الحمام في طابقهم عن طريق الخطأ، فوجدت أشياء لم تكن تتوقعها:
علبة دواء نفسي، مشرط صغير عليه بقع قديمة، وورقة مكتوب فيها "أنا مش فاسدة... أنا موجوعة."

احتفظت علياء بالورقة، وقررت ألا تخبر أحدًا... بعد.

في هذا البيت، كل شخص يسير على حافة الهاوية، لكنه يتظاهر بالثبات.

مرت أسابيع، والكل بدأ يشعر بأن شيئًا يتغير. علياء لم تعد تلك "الدلوعة" التي تطلب أشياء لا لزوم لها، بل أصبحت "السيدة الهادئة" التي تعرف كل شيء، وتبتسم للجميع.

وفي أحد ليالي الشتاء، اجتمعوا كالعادة على العشاء. أصر الجد عثمان أن يُلقي كلمة عن "أهمية الحفاظ على القيم"، وكانت الجدة ت nod برأسها وكأنها تستمع، بينما هي تراقب صفاء التي بدت منهارة بصمت، ومنال التي تغالب دمعًا خفيًا، وعماد الذي بالكاد يأكل.

ثم قالت علياء، بصوت هادئ:

"إحنا كلنا بنخاف من الفضيحة... بس محدش فينا بيفكر يخاف من الحقيقة."

ساد الصمت. ثم ابتسمت علياء، وأخذت رشفة من عصيرها.


بيت العيلة – الجزء الثالث: بين الابتسامة والجُرح

منظر خارجي – مساء رمادي يسبق العاصفة

كانت الأمطار تتساقط بخفة، تغسل نوافذ بيت العيلة الذي يبدو كأنه يحمل ألف قصة في طيات جدرانه. في الداخل، كان كل شيء ساكنًا، لكنه مشحون. علياء جلست في شرفتها ترتشف قهوتها، وتمرر أناملها على الشاشة، تقرأ رسائل هاتفية استخرجتها من هاتف عماد القديم، الذي نسيه في السيارة ذات مرة.

واحدة منها أثارت اهتمامها:

"عايز أشوفها تاني… بس مش قادرة أستحمل نظرة أمها."

المرسل: مجهول.
المستقبِل؟ ليس عماد.

لكن الرقم… الرقم تعرفه جيدًا. منير، ابن مراد، شقيق صفاء. وعندها… توقفت علياء عن الشرب، واتسعت عيناها.

"لا… مش ممكن يكون…"



من الداخل – غرفة صفاء – نفس التوقيت

صفاء كانت تجلس أمام مرآتها، تمسك بقلم كحل وتخطّ به كلمات على مرآتها كالعادة:
"أنا مش خربانة… أنا مربكة."

منذ شهور وهي تغرق في دوامة. جسدها يتغير، عقلها يتشوش، وداخلها صراع لا تهدأ نيرانه. لم تعد تعرف ما الطبيعي، وما الممنوع، وما هو الشعور الصحيح تجاه منير، أخوها، الذي بدأ يقترب منها بطريقة غير بريئة منذ أن أصبحا مراهقين وتشاركا أوقاتًا طويلة في غياب الأبوين. كانت تظن أنها تبالغ... حتى لم تعد تستطيع الإنكار.

ولم تجد من تحكي له… إلا ورقة.

في يوم سابق، فتحت علياء خزانة صفاء أثناء زيارة مفاجئة، بعد أن تذرعت بأنها تريد استعارة رواية من مكتبتها. هناك، وجدت صندوقًا صغيرًا يحتوي على:

دفتر يوميات ممزق.

صور قديمة فيها منير وصفاء في أوضاع حميمية لا تليق بالأشقاء.

ورقة مكتوب عليها:
"أنا عارفة إنه غلط… بس مش قادرة أوقف."


علياء لم تأخذ شيئًا. فقط قرأت… وفهمت.




مساء نفس اليوم – علياء تقابل صفاء في المطبخ المشترك

– علياء (بنبرة دافئة): "وحشتيني يا صفاء… شكلك تعبانة."
– صفاء (بتردد): "مافيش حاجة."
– علياء (تقترب منها): "أنا عارفة إن في حاجة… وعارفة إنك لو فضلتِ شايلة لوحدك، هتنفجري."
– صفاء (بهمس): "هو… أنا… أنا مش عارفة إزاي ده حصل…"

سقطت الكلمات من فم صفاء كأنها سمّ، فانهارت باكية بين ذراعي علياء، التي لم تحتضنها شفقة… بل سيطرة.




منظر خارجي – السماء تبدأ ترعد

علياء عادت إلى شقتها، أغلقت الباب، وجلست على الأريكة. أمسكت دفترًا وبدأت تكتب:

**"أوراق القوة:

صفاء – السر الأكبر

عماد – الصورة والخيانة

منال – المكالمة

منير – المراسلات

الجد – التسجيل اللي سمعته من العامل

راندا – العقيدة واللقاءات الغريبة"**


ثم كتبت في أسفل الورقة:
"السؤال دلوقتي: أفضحهم؟ أساومهم؟ ولا أستخدمهم؟"
 


أكتب ردك...
أعلى أسفل