متسلسلة أثر المخلدين ـ حتي الجزء الثالث 5/8/2025

ابو دومة

ميلفاوي أبلودر
عضو
ناشر قصص
إنضم
11 يوليو 2024
المشاركات
559
مستوى التفاعل
383
النقاط
0
نقاط
895
النوع
ذكر
الميول
طبيعي
اثر المخلدين
مساء او صباح الخير انا حجازي ودي تعتبر اول مره اكتب فا ياريت تسامحوني عن الاخطاء الي هتصدر مني
صحيح علشان منساش انا مش هحط معاد محدد ولكن غالبا هنمشي بنسبه جزئين في الاسبوع ممكن اقل ممكن اكتر دا طبعا علي حسب الظروف ولكن خير

الحدود الفرنسية - السويسرية - 2030

كانت هذه اللحظة هي الأهم والأغرب في مسيرة الباحث «يوهان هانز».

ارتجفت أصابع هانز»، وهو يصب لنفس جرعة مضاعفة من مشروب «الإسبريسو المفضل لديه، كان الفنجان المستقر بين يدي ككل شيء حوله مرسوم عليه شعار منظمة CREN... وهي اختصار لـ «المؤسسة الأوروبية للأبحاث النووية.»

ظل هانز» يمنع في الغرفة بعصبية، لم يعرف إن كان قد توصل لاكتشاف علمي، أم لكارثة قد تودي للملايين من البشر.. وقف هانز» أمام مكيف الهواء الذي ارتفع صريره، كأنما يشعر بالخوف داخل هانز»، ولكن حتى برودة التكييف لم ترتفع في خفض حرارة جسمه، ولا حتى تجفيف العرق الذي انساب من مسامه

كان «هانز» يتوق لنسمة هواء طبيعية واحدة، لكن كيف وهو الآن على مسافة مئتي متر تحت الأرض.. جلس محاولا استجماع ما حدث وفهمه، أخرج هاتفه المحمول وبدأ يسجل لنفس تسجيلا صوتيا، يخلي فيه مسؤوليته عما حدث، في حال إذا ما ساءت الأمور.. ضغط يوهان هانز على زر التسجيل الأحمر، وبدأ يتحدث بصوت مرتجف
منذ أن تأسست منظمة CERN للأبحاث النووية، سنة ١٩٥٤ ميلاديًا، ولم يكن لديها سوى هدف واحد فقط تكسير الكون.

عملت CERN على إطلاق الجسيمات والذرات على جوانب بعضها بسرعات تقارب سرعة الضوء، وطاقة الفوق طاقة الانشطار النووي. وذلك لكبر الذرات ومعرفة مكونات الكون واكتشاف مادة جديدة، حين الشرح الأمر الشخص غير مختص يبدو الأمر سهلا، لكنه ليس كذالك على الإطلاق

حديثه عن التسجيل بشدة:

ارتشف معانز، رشتة طويلة من الإسبرسو الذي كان قد برد، وأكمل

المادة الغريبة، بالطبع قد سمعتم هذا المصطلح من قبل.. هي المادة التي تحدث عنها عالم الفيزياء النظرية إيدواره ويتين. واقترح أنها المرشح الأساسي لكونها المادة، والمسؤولية عن

الجلابية في الكون

وهذا - من الناحية النظرية يعني إمكانية ترويض قوى الجاذبية. لصالحنا، وتوليد القبب السوداء الصناعية، أو خلق مفاعلات نووية أكثر كفاءة من الممكن أن تدمر دولة كاملة في غمضة عين، أو حتى السفر بين المجرات، أو اختراق حواجز الزمن التي طالما حلم العلماء باختراقها... كانت المنافع من توليد المادة. لا حصر لها، ولكن المشكلة الحقيقية

تقع في كم الطاقة اللازمة لإنتاج المادة.، انقر هذه اللحظة. وهدف المؤسسة الوحيد هو خلق هذه المادة.

انقر ذلك الحين المتشرت الأسباب من احتمالية تدمير هذه المادة الكركبة الأرض بأكملها، فهي تشبه أسطورة الملك ميداس الذي كلما لمس شيئًا تحول ذهبا .. فوم الغربية كلما لامست مادة باريوينة (وهي المادة المادية التي تتعامل معها في حياتنا) حولتها إلى مادة غربيةفقط

وتستمر هذه العملية حتى تتحول الكوكب بأكمله المادة غربية مكونة ليا أسود يحجم نيزك صغير، ولكن وقتها لم يهتم أحد من المبادرة. وأكدوا أن احتمالية حدوث ذلك تكاد تكون معدومة، واطمئنانًا عامًا ما قالته السلطات، وتطوير المفاعلات المعنية بتوليد المادة

عامًا بعد عام، حتى وصل إلى اليوم

ومن قلب منظمة CERN تعلن أنني الباحث بيوهان ها ينز.. أول من حضر عملية توليد مادة غربية بواسطة البشر.. وأخلي مسؤوليتي

الشخصية عن أي دمار شائع حدوثه.

التعم المكتب على معانزة مديرة المباشر، العالم الشهير أندرو سيباستيان أشار له بوضوح حتى يوقف التسجيل، انتزع الهاتف من يد معانزه، وقام بمسح التسجيل دون أي نقاش، لم يعترض معانز، أو يحاول تبرير ما كان يقطه سأل أندرو سيباستيان، هانز بصوت منخفض

هل كنت من النتائج؟ أليس من الممكن أن يكون خطأ من أحد المستشعرات

رد معانزه، وهو يمسح بيده على خصلات شعره الأشقر

صحيح التي كانت علماء CERN ، لكني لست بهذه السذاجة الاستدعيك في هذه الساعة المتأخرة بسبب خطأ المستشعرات. لقد تحققت أنها نتيجة حقيقية، لقد خلقنا مادة غربية

توقع هانز أن يرى ملامح الفزع على وجه مديرة المباشر، فما حدث هو كارثة كونية بكل المقاييس لكن العالم أندرو سيباستيان، قال بلهجة رسمية
هذا عظيم احتويها في مجال كهرومغناطيسي وحضر عينة للاختبار.

رد هانزه في فزع

لكن سيدي، هذا قد يقود لدمار الكوكب بأكملها يجب أن نفعل بروتوكول التدمير حالا!

قال سيباستیان، هامسا

كان هذا قديما، عندما كان العلماء هم من يديرون كل شيء، الآن نحن في عصر الجنرالات والجنرال بينجامين، كان واضحا في

تعليماته توليد المادة المظلمة، ثم احتوائها ثم اختبارها.

أردف «سیباستیان، مطمئنا تلميذه النجيب

يمكن تفعيل بروتوكول التدمير، إن خرجت الأمور عن السيطرة.

كانت التعليمات صارمة، ومن يخالف الأوامر في CERN في هذه الفترة لا يصعد السطح الأرض مرة أخرى، كما أن أندرو سيباستيان.

كانت لديه كاريزما لا تقاوم، فاستسلم هانز، للأوامر وبدأ في محاولة احتواء المادة دارت المولدات العملاقة لتنشئ مجالا كهرومغناطيسيا ضخما، ولكن فجأة سمع هانز، ومديره صوت صفارات تحذير تصدر

من الأجهزة

يكاد هانز، يقسم أنه سمع ضربات قلب مديره أندرو سيباستيان وهي تخفق، انهار سيباستيان في مكانه وهو لا يصدق ما يحدث، أخرج هانز هاتفه وقام بتسجيل جملة واحدة فقط:

فات الأوان، أول جسيمات المادة الغريبة قد تكونت داخل المفاعل وتسربت خارجه، وإن زادت - وهو الاحتمال الأكيد - فسيكون لديها قدرة تدميرية عالية، وهي الآن حرة في الكوكب، وقد تكون في أي مكان على الأرض.

1-الغريب

لم يفهم ياسين سببا للذهاب إلى الامتحانات في يوليو...


نهض.. فيتناقل حين سمع أذان الفجر بعد أن ظل مستيقظا ليومين كاملين، جفف عرقه في ردائه المتسخ، لم يكن من هواة فتح النوافذ، لذلك كانت رائحة العطن في كل مكان، لم يحبها يوما، لكن أنفه اعتادت عليها الدرجة أنه توحد معها واعتبرها شيئًا عاديا جدا.


التي جسده في حوض الاستحمام الذي ملأه في وقت سابق.. راحيتذكر كل ما مر به من أحداث خلال اليومين السابقين، كان قد انتهى من ذاكرة المادة كاملة، وظل يجيب عن أسئلة من دفعته، هولا يحب أحدا فيهم، ولا يحترم معظمهم، لكنه يريد منهم أن يحبوه، أو حتى يذكروه، لا يريد أن يظل مجرد الشاب الدحيح، أو النيرد»، كما يقولون عن غيره.. كان يبحث عن الحب الذي لا يظن أنه قد صادفه قبل ذلك


أما حسن الهواري، فلم يكن هكذا أبداً، تذكر ياسين طفولته حين كان حسن مراهقا ، فهو واحد من جيل الثورة الذين آمنوا بالحلم والتغيير. فقد اثنين من أصحابه أثناء أحداث يناير 2011، كان ينزل الشارع رغما عن رغبة والده، وقد تم القبض عليه أثناء إحدى التظاهرات اللاحقة لتنحي مبارك، لكن اسم والده كان كفيلا بخروجه دون حضور الأب.


لم يحترم الأب لتعنيف حسن، فقد أدرك أن الشاب -أصاب - قد تعلم الدرس جيدا، ومع الوقت ثبت صحة ظنه.. فتحول حسن من روح مشرقة تحلم بالتغيير المسخ لا يسعى إلى حياة راكدة كأبيه


يخرج ياسين من الماء ليستنشِق بعض الهواء، ثم يعيد رأسه كاملاً داخل الماء، يتذكر صراعه مع والده منذ الطفولة، الذي أرجعه ياسين لعجز أبيه على أن يصير أبا فياسين دائمًا ما يمنع والده عن ممارسة سلطنه الأبوية، فقد كان متفوقًا في الدراسة، يواظب على صلواته، يحرص على القراءة وممارسة رياضة الجري بشكل مستمر... حتى في الثانوية العامة كان من اوائل الجمهورية.. لذلك لم يجد الوالد ما ينصح به، لم يعرف أي خبرة يشاركها مع ولده، أو أي سلطة أوضحها. عليه، وهو الأفضل في كل شيء تقريبًا


يدرك ياسين، أن القصة من وجهة نظر والده مختلفة، فهو وابنا سليط اللسان، لا يقبل النصح ويفعل ما يريده، حتى وإن كان صحيحا في أغلب الأوقات.. لكن النتيجة واحدة، فالعميد عادل الهواري لا يقبل أي تصرف من ولده، ويفضل عليه أخاه الأكبر «حسن»، وعلى الرغم من فشله الدراسي، وتجارته الفاشلة في الملابس، والتي بدأها بنقد والده.. وكذلك زواجه من امرأة متسلطة، ويسكنها مع أسرته في البيت نفسه. وكذلك على الرغم من استغلال حسن السلطة والده، وتورطه في محضر تعاطي المخدرات، حتى أنقذه الأب بمعجزة.


سمع ياسين صوت منبه الهاتف الخاص بوالده، كان صوته عاليا يوقظ البيت كله تقريبا، على الرغم من كون البيت أقرب لفيلا واسعة محاطة بالأشجار في شارع 9 بالمعادي.


نهض ياسين مسرعًا، كان يعلم أن أمامه خمس عشرة دقيقة، حتى يستيقظ والده مع الرئة الثالثة للمنبه جفف نفسه على عجل، نظر في المرأة ليجد شابا ذا جسد نحيل وشعر طويل مموج متناثر في عدم ترتيب، لم يحب تصفيف شعره ولا قصه، أحب ياسين نظرته الذكية التي تجبر الجميع على احترام عقله وعدم الكذب عليه، لكنه كره في شكره غياب لحيته عن وجهه، مما يبرز عظام وجنتيه، ويجعل ملامحه أصغر من سنه التي تجاوزت الثلاثة والعشرين.


قام ياسين بتجفيف وجهه مرة أخرى بالمنشفة، لم يكن يعرف هل يجفف عرقه أم يجفف ماء الاستحمام، تحرك في صالة منزله البسيط بخطوات هادئة، كان يخطط للاستقلال عن هذا البيت فور تعيينه معيدا في الكلية، أي بعد شهرين من الآن. صحيح أن الراتب لن يكون كافيا لما يحلم به، لكنه سيكفي إيجار شقة على الأقل.. دخل الغرفة في هدوء. ومن النظرة الأولى أدرك أن هناك من دخل الغرفة في غيابه وفتش فيها جيدا.. تناول هاتفه وفتح تطبيق الواتس آب، وخاصة المحادثة الجماعية المسماة بدبيت العز يا بيتنا... والتي تحمل صورة والدته المتوفاة منذ سنوات.. وتجمع ياسين بوالده وأخيه حسن وزوجة أخيه، ترك ياسين


لهم رسالة صوتية يقول فيها:


واضح إن فيكم حد نشيط صحي بدري عشان يفتش في أوضتي. لو بابا فمتخافش يا سيادة العميد لسه مشربتش سجاير، ولو شربت هقولك، وريحة التبغ دي لو مشيت وراها هتلاقيها طالعة من «حسن... ولو حسن اللي دخل، فمتخافش أنا بقيت بعرف أخبي الفلوس كويس، فلو عايز فلوس هتلاقيها مع بابا.. من الآخر طلعوني برة الحسبة هتلاقوا اللي بتدوروا عليه مع بعض..


كان ظهر ياسين يؤلمه كالمعتاد بسبب طيلة فترات جلوسه، تناول بعضا من مسكن ، کاتا فاست، ثم فتح المقطع الموسيقي المفضل لديه، كان عبارة The rain must fall تدعى Yanni عن مقطوعة للموسيقار سخر في سره من اسم المقطوعة ومدى ملائمتها لحالة الجو الحار، بدأ يتمايل بشكل ساذج على اللحن، ثم النقط تي شيرت فضفاضا أبيض اللون وارتداء سريعا على بنطلون جينز وحذاء رياضي مريح للقدمين.


كان احتمال احتكاكه بوالده لا يزال قائما، ويحاول الهروب منه قدر الإمكان.. تأكد من أخذ حافظته التي طالما ينساها، وأخرج أمواله من وسط أحد كتبه المتراصة بعناية في مكتبته الضخمة، التي التهمت أكثر من نصف مساحة غرفته، فتح الحافظة ليتأكد من وجود بطاقته الشخصية، نظر إليها ساخرا من صورته فيها، والتي تظهره كأسير حرب أو مسجون في جريمة قتل.. نظر في البطاقة وعلق على محتواها ساخرا:


ياسين عادل محمود الهواري، طالب في كلية العلوم بجامعة عين شمس.


انتهى موسيقا ياني بسبب رئين هاتف ياسين، كان المتصل هو صديقه الوحيد وزميله في الدراسة خيري زاهر، رد ياسين في مثل:


يا خيري و**** بلبس، صدعتني من الصبح.


رد خيري في قلق:


أنا مذاكرتش ومعتمد عليك يا ابني

قال ياسين وهو يضع مفاتيح البيت في جيبه:


هتقفل المادة متقلقش.. أنا بس مستغرب الصدفة اللي تخليك معايا في نفس اللجنة.


سمع ياسين صوت محرك سيارة خيري وهو يدور، وقال خيري في


عدم فهم:


أنا كنت بحاول أنقل أي حاجة من خالد راح المعيد حبيبك ده خدني ونقلني اللجنة بتاعتك أنت بالذات.


قال ياسين وهو يغلق باب البيت ويتحرك على عشب الحديقة المهمة منذ زمن


المعيد حبيبي؟ قصدك بهاء؟


أجاب خيري بأنه هو، فتعجب ياسين من تصرف بهاء، فعلاقتهما سيئة منذ زمن، وبهاء يخشى ياسين؛ لأنه يعدل عليه في مادته، وكذلك يظن بهاء أن ياسين حين يتم تعيينه معيدا السنة الجارية سيسحب منه اهتمام الطلاب ودكتور المادة.. تجاوز ياسين قلقه من تصرف المعيد. وقال الخيري:


يعني عم بهاء سلطان ده حرمني من القعدة جنب يارا عشان


يبتليني بوش أهلك؟


أطلق خيري صوتا اعتراضيًا من أنفه وقال لياسين:


ماله وش أهلي؟ بعدين تبيع صاحبك عشان يارا لانشون؟


ضحك ياسين، وهو يشير السيارة أجرة ويخبره بالتوجه لجامعة عين


شمس


هي اسمها يارا لانشون؟


رد خيري بتلقائية:


أيوة، عشان متاحة في أي وقت ومش معروف لها مصدر

ضحك ياسين وطمأن خيري على أنه سيبدل ورقتي الإجابة في الوقت الذي اتفقا عليه، وأنه يستطيع أن ينهي الامتحان ثلاث مرات خلال الوقت المحدد، فهو عبقري الدفعة، الذي يشيد به الجميع.


تذكر ياسين خطئه مع خيري التي تعتمد على تبديل الورقة تحت رقابة المعيد بهاء الذي يبغض ياسين ياسين، فسأله مستدركا:


صحيح يا خيري اشتريت المسدس؟


كانت مسيرة ياسين الهواري من باب لجنة الامتحان حتى بوابات الجامعة أشبه بنجم هوليوود على السجادة الحمراء، يلاحقه بعض الطلاب المراجعة الإجابات معه، ويلتف حوله البعض شاكرين له جهوده في تلخيص المواد ونقل المحاضرات لهم، كان يعلم أنه سيشتاق إلى هذا الشعور بالأهمية، فهذا آخر امتحان له في حياته التعليمية، وقد ضمن مكانه كمديد في كلية العلوم قسم الفيزياء النظرية.. فهو الأول على دفعته بفارق شاسع عمن يليه.


لم يفهم أحد الطلاب سبب صوت الطلقات النارية، الذي سمعوه أثناء الامتحان، لكن وحده خيري وياسين كانا يعرفان السر.. اقتحم خيري زحام الطلاب حول ياسين وقال مقلدا صوت فتاة بشكل مبتذل وهو

يحتضن صديقه


دكتور ياسين أنا بحبك أوي أوي أوي.


كان خيري من أكثر الشباب جاذبية في الدفعة، بخفة ظله، وجسده المفتول الذي ولد به، ولم يجتهد لتكوينه بهذه الهيئة، وكذلك الثروته فهو ابن الحاج عباس زاهر، واحد من أكبر تجار السيراميك في مصر.


مال ياسين على أذن خيري وقال هامسا :


ماتنساش تحاسب عم مرعي الساعي، وخد منه المسدس أحسن ده غبي وممكن يكشفنا.


جذب خيري صديقه ياسين من ذراعه وحدثه على جنب من ردهة الكلية قائلا:


الربع له دلوقتي المهم إن محدش خده إن الصوت والقلق ده


كله اتعملوا عشان تبدل الورق


نهره ياسين وهو يقترب من سلالم الطابق الثالث:


خلاص بقى متسيحش المهم جهز لي قعدة بالليل.


قال خيري ضاحكا:


مش ناوي تجرب بقى؟ هتفضل تتفرج علينا وخلاص؟


رد ياسين


أنا متعتي أتفرج عليكم وأنتوا بتصطبحوا، أبعد من كده مش هخطي.


كاد خيري أن يرد لكن قاطعهما صوت المعيد بهاء رمزي، الذي لا

يخفي كرهه لياسين على أحد:


باشمهندس ياسين.. عايزك


شعر ياسين بأن هناك كارثة حقيقية، فتبع بهاء في صمت نحو مكتب المعيدين الذي كان ياسين ينتظر بضعة شهور لينضم إليهم...


جلس بهاء على مكتبه وقال لياسين وهو يفتح حاسبه المحمول:


أنت عارف إيه الفرق بيني وبينك يا ياسين؟


رد ياسين بتلقائية:


- حوالي ٢٠٪ IQ


ابتسم بهاء في انتصار وقال وهو يدير الحاسب المحمول ليشاهد ياسين ما على شاشته


واضح إن ذكاءك خانك المرة دي تفتكر إنها صدفة إني أنقل صاحبك الوحيد في الكلية جنبك في اللجنة؟ أنا كنت عارف إنك متحاول تلهينا كلنا عشان نقشه.


بدأت نبضات ياسين في الارتفاع، وقد حاول أن يداري خوفه بالتعليق ساخرا

كويس إنك عارف إني كده كده هغفلك.

رد بهاء مبتسما:


وده بيرجعنا لأول سؤال: الفرق بيني وبينك.. أنت أذكى مني. بس ناقص ناقص حب وناقص صداقة، وناقص اهتمام ناقص تحس إنك مهم في أي مكان يتكون فيه.. وده اللي خلاك تأجر فراشفرق نار فوق سطح الكلية عشان كلنا نتخد مع الصوت وتلفت حوالينا، وفي لحظة تبدل أنت الورق مع صاحبك. وبصراحة أنا كنت عارف إني متخدع عشان كده فتحت اللابتوب وسيبته يسجل كل حركة ليك.

أدرك ياسين أن بهاء قد تمكن منه تمامًا حين قال:


دلوقتي قدامك اختيارين با تقدم طلب للجامعة بالتنازل عن التعيين، يا إما أرفع الفيديو للدكتور مجدي رئيس القسم، ورضه ۱۷


هيخليك تتنازل عن التعيين بس هتخسر احترامه وحبه ليك...


شوفت أنا جدع معاك إزاي؟

شعر ياسين بالفزع مما سمع فيهاء يريد منه التنازل عن مجهود أربع سنوات، وحلم أربع وعشرين سنة بأن يصبح دكتورا في الجامعة. لكنه لم يجد أمامه خيارا آخر، فكر في التوجه الرئيس القسم والاعتذار له لكن بهاء أردف وبعد أن يقرأ أفكار ياسي

له.. لكن بهاء أردف وكانه يقرا افكار ياسين


حتى لو دكتور مجدي سامحك، أول ما تتعين الفيديو ده هيكون على جروب الدفعة، وشوف هتخلي الطلاب يحترموك إزاي يا


حضرة المعيد.


صمت ياسين تماما، تخيل رد فعل والده حين يعرف بما حدث، وخيبة أمله فيه، تخيل منظره أمام حبيبته نادين، التي وعدها بالتقدم لخطبتها فور انتهاء الامتحانات على أساس أن تعيينه الحكومي مضمون، شعر


بأن صمته قد طال، قال بهاء بهدوء


عندك الشجاعة تعتذر لي؟ وننسى الفيديو ده؟


قال ياسين في فهم:


وأفضل تحت رحمتك ومقدرش أتحرك خطوة من غير إذنك؟ لا با معلم انشره، ولا أقولك. المتهولي وأنا مديره، بس مش هيلي


عصفورة أنا!


نهض بهاء وهو يشير نحو باب المكتبة


يبقى دي هتكون المرة الأخيرة اللي تدخل فيها المكتب ده.


لم يرد ياسين، كان يشعر بحزن لم يشعر بمثله منذ وفاة والدته. وإحباط لم يختبره منذ ولادته.. أردف بهاء في حنان مصطنع


على العموم متزعل أنت شاب ناجح والدكتور مجدي كان مرشحك بلا مشروع Scan pyramids، وهتاخد منه خبرةكويسة



شعر ياسين بالخوف الشديد، فهذا المشروع الذي يعمل فيه ياسين هو مصدر رزقه الوحيد، وهو ما يجعله مستقلا عن والده، وادخر منه. ما يكفي الشملية نادين، وهو يعلم جيدا أن بهاء لن يذكر المشروع، إلا لو كانت هناك كارثة متعلقة به، وبالفعل قال بهاء ميشما



أسلهم كلمونا من شوية، وقالولينا إن المشروع وقف


خرج ياسين من مكتب المعيدين وهو لا يرى أمامه تقريبا .. كان هذا اليوم الأصعب في حياة ياسين لم يشعر بنفسه إلا وهو يصعد السطحالكلية محطما أقفال الباب.. جلس على سور السطح لساعات طويلة شرد


في كل ما در به من مشكلات أناء صوت رنين هاتفه، نظر ليجد رسالة من والدة نادين تقول له فيها مبروك التخرج، على ميعادنا يا عريسه


تذكر في حرة ذلك الموعد الذي حدده مع أسرة نادين في الغد، وقد النقل معهم دون علم أبيه - على خطبتها فور تخرجه بسبب ضمانه للاستقلال وتعيينه في منصب العيد، وكذلك بسبب إصابة بقطع في الرباط الصليبي ستعليه من تأدية الواجب العسكري.


رن هاتفة ثانية، كان المتصل هذه المرة والده لم يجرؤ على الرد. تراد الهاتف بين عدة مرات حتى **** رسالة قصيرة من أبيه الكتلت بالأخطاء الإملائية



دكتور بهاء اتصل على عرفت منه كل حاجة.. مستقيك في البيت

لم يعرف ياسين كيف وصل بهاء الرقم والده، هل كتبه في ملف الكلية أم حصل عليه من دكتور المادة الذي استخدم سلطة العميد عادل الهواري أكثر من مرة.. لكنه وصل ليقين من خسارة حبيبته، وكذلك الأمان المادي وحلم الاستقلال، سيعود مجددا السيطرة والده الذي لن



يرحمة بعد أن فشل في كل شيء.



لم ير أمامه إلا حلا واحدا لكل هذه المشاكل أن يتخلص من كل هذا العالم بضجيجه اللانهائي، أن ينتحر.

٢- حارس الهرم الأوسط


للوهلة الأولى حين ترى وجه العم ياقوت ستظنه مجرد خفير نوبي يحرس موقعًا صحراويًا بسيطًا بالقرب من الهرم الأوسط، ستعرفه عجوزًا عبوسًا صامتًا، ستستحاشه خوفًا من هيبته الناتجة عن وجه أسمر نحيل ذي نظرة ثاقبة تجعلك متوترًا إن واجهتها، تبرز عظام وجنته من خلاله، كما تتقطب عروق جبهته ال*****، وكذلك رقبته النحيفة التي تظهر من جلابية الأبيض الذي لا يشيع أبدًا.. وصوته الأجش الصادر عن خنجرة أنهكها تدخين «العسل»، ولكنته الصعيدية التي تظهر كلما تحدث، وهو حدث نادر قلما يحدث.


كان عمله بسيطًا.. فالعـم «ياقوت» مجرد خفير على موقع أثري قريب من هرم «خفرع»، كان يعلم كل شيء عن مشروع Scan pyramids، وهو مشروع مختص بالتصوير المقطعي للأهرامات، والكشف عن الحجرات الحقيقية داخل الهرم وما حوله. كان أميًا لكنه كان يفهم في هذه الأشياء، فهو يعمل في الآثار منذ مراهقته.


لم يستطع أي من المهندسين أو عمال الموقع أن يكشف أسرار عم ياقوت أو يقيم معه أي جسور ود أو صداقة مع ياقوت، لكن وحده، ياسين «الهواري» استطاع ذلك.. خاصة بعد أن أنقذ حياته.


من اللحظة الأولى لياسين في الموقع وهو منبهر بشخصية عم ياقوت وحضوره الطاغي، وشخصيته التي فرضها على الجميع، لكنه كان يخشاه مثلهم.. رصد ياقوت محاولات ياسين لجعل العاملين في الموقع يعجبونه، من خلال الاجتهاد في العمل، لاحظ أن الجميع يراه عبقريًا في مجاله.


لم يتحدث ياقوت مع ياسين حتى اليوم الذي بات فيه ياسين ليلته في الموقع، كان الجو شديد البرودة، وكان لدى ياسين الكثير من الأعمال والقراءات لتدوينها، ولديه امتحان في اليوم التالي، يذكر ياقوت بأن هذه المرة الأولى التي يطلب فيها ياسين من ياقوت أن يصنع له شيئًا.. أعجب ياقوت بأدب ياسين وهو يقول:


  • أنا عارف إنك متعملش شاي لحد، بس الكرافان مفهوش شاي، وأنا لازم أفضل صاحي لحد بكره الصبح...

وقتها قاطعه ياقوت في هدوء، وهو يسلك أسنانه بقطعة صغيرة من الحملب:


  • حاضر يا هندسة.

لم يتوقع ياسين هذا الرد من ياقوت، جلس ينتظر تسخين الشاي بجوار ياقوت، كان ياقوت يحرص على العادة الصعيدية في «الشاي الحجري» وهو الذي يعتمد على غليان الشاي في الماء أكثر من مرة. جلسا يراقبان «بركة»، وهو يتحرك حولهما ويلعـب كأحد الكللابب في الموقع الصحراوي.


وبركة، هو الابن الوحيد لياقوت، الذي كان يعمل معه مساعدًا.. كان بركة مصابًا بمتلازمة داون، وهو في العشرين من عمره، بدين طيب القلب، لا يكف عن الحركة والمزاح مع جميع من بالموقع، باختصار كان لا يشبه أباه في شيء.


نفخ ياسين في كفيه ليبث فيهما الدفء، في هذا الجو الصحراوي القاسي، كانت هذه المرة الوحيدة التي يقترب فيها شخص ما من ياقوت لهذه الدرجة، توقع ياسين أن تكون رائحته كريهة لكن ياقوت كانت رائحته مزيج من البخور والمسك، وكان يحرص على مضغ القرنفل من حين لآخر.


تناول ياسين كوب الشاي بصعوبة، كان شديد السواد كما توقع، لكن كان له مفعول السحر على خلايا عقله، التي شحذت ونجح ياسين في إنهاء عمله ومراجعة الامتحان في أقل من ساعة. نهض في تمايل ليعيد الكوب الزجاجي لعم ياقوت، فوجده دائمًا على دكته الخشبية العتيقة، تتحرك بخطوات هادئة حتى لا يوقظه، وحين أدار وجهه إلى أقصى اليمين، إذ بضخمة تتربص من قدم ياقوت، فأطلق صرخة عنيفة وركل الأفعى بقدمه بعيدًا.


استيقظ ياقوت في هدوء، ونظر نحو الأفعى، وفجأة دفع ياسين بعيدًا ليلقيه أرضًا، دُهش ياسين جدًا وراقب ياقوت لكنه فوجئ على الفور بسبب دقه له، فقد قفزت الأفعى فجأة تجاه مكان ياسين السابق في محاولة للدغة، ولكن ياقوت التقطها وأمسكها من رأسها في إحكام، وأخذ يضربها في حجر ضخم على الأرض الصحراوية حتى تأكد من موتها.


نظر لياسين بهدوء، وقال وهو يغسل كوب الشاي كأن شيئًا لم يحدث:


  • كان زمانك بيشرب عاليًا قهوة بدل الشاي، لك واحدة عندي يا هندسة.

وفجأة وبدون أي مقدمات.. بدأ ياقوت ينهال بالطلمات على وجه بركة الذي شرع في البكاء، حتى كاد يوقظ الحفر المجاورين والمهندسين النائمين في كرافانات الموقع، كان يلوم ولده على عدم حراسته أثناء نومه، والانشغال باللعب. حاول ياسين منع ياقوت؛ ليكتشف أن هذا العجوز قوي لم يشبه أباه في شيء.


بحنق، ثبت في ذراع الأسمر المفتول فدفعه ياقوت بعيدًا.. صرخ ياسين في توسل:


  • سيب بركة يا عم ياقوت، معلش عشان خاطري!

نظر ياقوت لياسين مفكرًا، ثم رفع يده عن بركة. حينها فهم ياسين أنه يجب أن يرحل.


منذ ذلك الحين وياسين يحب السهر مع عم ياقوت، على أنغام مشوشة من مذياع تالف خاص بعم ياقوت: تارة يشغل أم كلثوم وتارة يشغل إذاعة القرآن الكريم. حسب مزاج المذياع لا صاحبه. وقد فتح كلامهما الآخر قلبه، فلطالما ياقوت يشكـل مشاكل ياسين مع والده الذي لا يعترف بنجاحه، ولا بتكريم رئيس الجمهورية له كأحد أفراد فريق Scan pyramids الذي أسهم في الكشف عن الكثير من أسرار الأهرامات، وعلى الرغم من تفوقه في الكلية والمستقبل الذي ينتظره.


وكذلك عرف ياسين عن ماضي عم ياقوت الماحل بالعمل في تجارة الآثار منذ الصغر في الأقصر، حتى جمع ثروة أنفقها على النساء، وبعد إفلاسه بفترة عمل قاتلاً مأجورًا في أقصى الصعيد، حتى تورط في قتل ضابط شرطة، فاختفى في الجبل لفترة طويلة حتى سقط عليه حكم الإعدام، وفي الجبل تزوج والدة بركة، وسمّاه بهذا الاسم لأنه حد تعبيره «طول عمري ما عيـب القرش»، مرة من المساكن ومرة من تجارة النار، ومرة من الشغل الشمال، بس عمر ما كان فيه بركة. قتلت أنبارك بالواد.


وبالفعل تحقق رجاء ياقوت؛ فقد تواصل معه أحد علماء الآثار، الذين كان يعمل معهم في الأقصر، وطلبه لحراسة أكثر من موقع أخرى حتى وصل إلى الأهرامات، لم يعرف ياسين السبب الحقيقي لتسميته «ياقوت».


وإن ظننـا أنه بسبب عمله السابق في الآثار، فقد لقبه الناس بهذا اللقب نسبة لقصة علي بابا والأربعين حرامي حين صرخ في المغارة: «دهب».. ياقوت.. فرحان، أحمدك يا رب.


عرف ياسين أن زوجة ياقوت قد توفيت بعد إنجاب بركة بأيام، وأنه كان يشفقها بجنون، وقد دار خلفها الصعيد بأكمله حين حاول إيهامها باختفاء عنها، وقد أرجع ياسين سبب معاملة ياقوت لولده بهذا الإهمال لكونه السبب الرئيسي في وفاة والدته، وكذلك بسبب مرضه وكونه من ذوي الاحتياجات الخاصة.. لكن حادثة رئيسية كانت السبب في فقدان ياقوت للأمل في ولده، رواها ياقوت في خليط من خزٍ وترجرج على ياسين في إحدى الليالي:


  • قبل ما تنزل من الجبل وييجي مصر بركة غاب عني طول اليوم، فضلت أدور عليه لحد ما لقيت العيال من سنه مجتمعين وبيضربوا عليه، وهو لا هنا ولا حاسس بالدنيا!

شعر ياسين بالفزع حين سمع ذلك، وقد أدرك أن «بركة» كان لا يعي حقًا ما يدور حوله، كان لديه مشاكل حجة في النطق، لكنه مع الوقت وبالتعلم كان يكتسب خبرات ويتعرف على الناس بأسمائهم، ويرفض أي محاولة للاعتداء اللفظي والجسدي، لم يكن يمثل هذا السوء الذي يراه عليه ياقوت، وقد حاول ياسين أن يجعل العم ياقوت يفهم ذلك، ويحثه على تقبّل ولده كما وُلد، لكن ياقوت أدرك بمنطقته أن ياسين يطلب منه ما كان يرجوه من والده العميد عادل الهواري.. فآثر الصمت.


بدأ ياسين يدرس حالة بركة ويعلمه بعض الألعاب والكتب الملوّنة للعب بها أثناء فترة راحته من مساعدة والده، وقد تحسنت حالته بالتدريج؛ كان ياقوت ممتنًا لياسين، وفي ليلة من الليالي، شهد ياسين ياقوت وهو



يضرب بركة بعنف، علم ياسين أن العقاب وراءه خلـف بركة لسلسلة فضية من رقبته لأنها تسبب له التهابات، وقد حرم عليه ياقوت خلعها. ففصل ياسين بينهما. وسأل ياقوت، ففضل عن سبب حرصه الشديد على بقاء السلسلة حول رقبة بركة، فقال وهو يشير لرقبته بسلسلة مماثلة:


  • يوم ما اتجوزت أمه اشترينا سلسلتين فضة، وقتها كنت تايب عن الحرام، وماكانش معايا فلوس للدهب، شوفهم مرة في السيما يبيعوا كده.. ودي كانت آخر حاجة من ريحتها، فسيبتها للواد. وفضلت السلسلة التانية في رقبتي.

سأله عن تاريخ والدة بركة، فبدأ ياقوت يروي عليه القصة الحقيقية لبركة:


يوم ما عرفت إن أمه حامل وأنا حاسس إنه مش ولدي، ولّا تولد اتأكدت.. أنا سرقت كل حاجة ممكن تسرقت، وقتلت ناس معرفهاش.. كدبت بعدد أيام عمري.. بس إيدي اتشلت عند ضمايرهم.. مع إنها الوحيدة اللي كان ممكن أوديها من غير ما تزوّجني في كابوس.. بس ما قدرت.


لم يفهم ياسين سر عجز واحد مثل ياقوت عن الانتقام لشرفه، فأردف ياقوت وهو ينظر أمامه نظرة خاوية، كانت عيناه تعكس بريق النيران المشتعلة في الحطب الموقـد أمامه:


  • عجزي عنها عذبها، كانت مستبيعة الموت مني في كل لحظة، وعمرها ما طالتـه، يصيب لها كانت رصاصة بتعديها في نهاية كل يوم، ما كانت بتعرف تنام.. وشكلها عرفت إن **** هيعاقبها في ابنها اللي نزل مشوّه.. فكرت أفهمها إن حسابات **** أكبر من كده. بس سيبتها لدماغها.


كان ياسين قد توقع نهاية قصة «مطاهرة أم بركة» بشكل صحيح، وقد أكد حدسه حين ختم ياقوت حديثه في ذلك اليوم:


  • لحد ما صحيت في يوم على صريخ، عرفت إنها رمت نفسها من فوق الجبل، الناس كلها قالوا إنها مستحملتش طبيعي، وكلامهم كان صحيح.. أنا زي الموت يا ياسين..

وأشار برأسه نحو بركة قائلاً:


  • ما حدش يهرب، لي غير مجنون.

لم يسأل ياسين ياقوت عن سبب اصطدامه لبركة معه وعدم تركه بعد انتحار أمه، لكن ياقوت قرأ أفكار ياسين، وقال بهدوء إن سبب بقائه مع بركة هو الكوابيس.. فقد كان لدى ياقوت كابوس واحد يتكرر كل يوم؛ فهـو يرى كل ضحاياه الذين قتلهم عبر حياته الحافلة. يراهم وهم يقتلونه بنفس طريقتهم. كان ياسين وحده من يعلم بعضًا عن حياته، وقال له ذات مرة أنه لو عرضت قصة حياته في فيلم لحقق نجاحًا قياسيًا.


أردف ياقوت قائلاً:


  • بس نسيت أقولك إن الكوابيس بتروح لما بنام جنب بركة، ويصحى آلافه يهـلوس وهو نايم، كان الكوابيس بتزوره هو بدالي.. يعني أنا بيحمي حياتي، وهو بيحمي نومي.

كان عم ياقوت هو الشخص الوحيد الذي يجلس أمامه ياسين منصتًا؛ لا يحاول إثبات ذكائه ولا إبهاره بالحديث كما يفعل مع الجميع، ومع الوقت وجد ياسين وياقوت احتياجـهما لـبعض، فكلاهما يتخلى عن أساليبه الدفاعية أمام الآخر، ويتصرف على طبيعته.



لكن ياقوت لم يُدرك أن ما سيحدث هذه الليلة سيجعله يندم على معرفة ياسين الهواري من الأساس، بل يتمنى أن كان يتركه يموت منذ حادثة الأفعى.
 
أعلى أسفل