(1)
الدنيا كانت ليل وبرد قارس وقت فجر أول يوم في سنة جديدة، والسكون كان مطبق على باب ملجأ الأمل الضيق. المديرة صفية، وهي في الأربعينات، سيدة شايلة هموم الدنيا، صحت على صوت دقة خفيفة على الباب. فتحت بحذر مالقتش حد، لحد ما عينيها نزلت على سلة محطوطة على العتبة. صفية صرخت صرخة مكتومة وهي بتشوف جوا السلة *** رضيع، عينيه مفتوحة وبتبرق بلون أزرق سماوي غريب. مكنش بيبكي زي أي *** تاني، كان هادي ومُركز بشكل مش طبيعي كأنه بيراقب محيطه. صفية خدت الطفل لجوا وسمته يوسف. هي مكنتش تعرف إنها بتدخل لغز، هي كانت بتدخل قوة هتغير كل حاجة.
مرت السنين ويوسف كبر. بقى الطفل الأكثر عزلة وغرابة في الملجأ. كان بيكره الدوشة العالية واللمس المفاجئ، ودي كانت كوابيس بالنسبة لنظامه الداخلي. عشان كده، يوسف عاش في عزلة كاملة، بيقضي وقته في رص أي حاجة في صفوف هندسية مظبوطة بالملي. لما وصل لـ 10 سنين، كان أي كسر في نظامه ده بيعمله انهيار داخلي. في مرة، عبده البلطجي كسر له صفوف الحجارة اللي كان بيرتبها. يوسف محطش إيديه على ودانه بس، لأ، ده بدأ يكرر جملة واحدة بصوت هادي ومقطع: "التاريخ ده غلط. المعاد ده غلط. لازم يتصلح." صفية وقتها عرفت إن يوسف مش بس *** موحد، ده عقل بيحاول يصلح أخطاء الكون.
في مرحلة المراهقة، يوسف بدأ يلاقي طريقة عشان يتحمل الملجأ: تدريب جسده. كان بيستخدم أي مساحة فاضية في الملجأ عشان يعمل تمارين رياضية قاسية. هو مكنش بيلعب، هو كان بيدرب جسمه عشان يسيطر عليه بالكامل، زي ما بيسيطر على عقله. عشان كده، لما وصل لـ 18 سنة، جسمه كان رياضي ومنحوت، وقوته الجسدية كانت بتوازي قوة عقله، بس روحه كانت دايماً بعيدة وباردة زي التلج. في الوقت ده، صفية كانت بتعتمد عليه بشكل كامل في ترتيب الملفات المعقدة للملجأ. يوسف كان بيصور أي ورقة بعينيه وبيحفظها بالتواريخ، مش بس التواريخ، ده بيحفظ التوقيت بالساعة والدقيقة. في مرة، صفية سألته عن اسم المتبرع لأرض الملجأ اللي حصلت من سنين، يوسف بصلها لثواني وقالها: "اللي دفع الفلوس هو الحاج سعيد. والفلوس اتحولت يوم 15 أغسطس، الساعة 10:17 دقيقة الصبح بالظبط. والورقة دي اتحطت في ملف غلط." صفية وقتها حست إنها عايشة مع آلة زمن مش مع ***.
الفترة دي قضاها يوسف في صمت، بيقرأ في كل كتب الخرائط واللوجستيات والموانئ اللي لقاها في الملجأ، كأنه بيجهز نفسه لحرب في مكان هو لسه ميعرفوش. هو حس إن الإجابة على وجوده مش هتيجي لحد عنده.
لما يوسف وصل لسن 21 سنة، طلع على سطح الملجأ في ليلة مظلمة. كان لابس هدومه القديمة بس جسمه القوي بيبرز من تحتها. صفية طلعت وراه بقلب موجوع. هي عارفة إنها بتودع ابنها. يوسف بصلها بعينين ثابتة وقالها بهدوء حاسم: "أنا مش هعيش العمر كله في انتظار المعلومة. أنا دلوقتي عندي 21 سنة، لازم ألاقي سبب وجودي." صفية انهارت، عرفت إن مفيش كذب هينفع معاه. مدت إيدها وطلعت السلسلة الذهبية البسيطة اللي كانت مخبياها ليوسف تحت قميصه من يوم ما وصل. يوسف مسكها، وبدأ يركز بكل قوة ذهنه على الحرفين اللي عليها: (ن.ب). ذاكرته بدأت تربط الحرفين دول بالخرائط اللي شافها وبقانون قديم جداً عن ميناء الإسكندرية. يوسف قالها ببرود: "دي مش سلسلة، ده أول خيط في الروتين اللي لازم أصححه." صفية سألته هيروح فين، يوسف رد بثقة كلها تصميم: "هروح أدور على مكان الـ (ن.ب) ده. أنا رايح إسكندرية." يوسف سلم على صفية إيد بإيد، سلام حاسم وفاصل، ولبس السلسلة تحت هدومه، ومشي من الملجأ. هو عارف إنه مش هيرجع تاني إلا وهو لقى الإجابة
أكمل باقي الأجزاء ولا لا
خرج يوسف من بوابة الملجأ بعدما ودع صفية بسلامه الهادي والمحسوب. اللحظة دي كانت الانفجار الصامت لكل روتين بناه على مدار 21 سنة. العالم الخارجي هجم عليه بكل قوته. القاهرة كانت بتتنفس فوضى. الأضواء الزرقاء والصفراء والحمراء بتتداخل في عينيه، أصوات بياعين الخضار، صفارات العربيات، موسيقى الكاسيت اللي بتتداخل ببعضها، كل ده كان بيعمل قصف حسي ضخم على دماغه اللي متعودة على نظام الملجأ القديم. يوسف حاسس إن أعصابه بتتمزق، لكنه بيقاوم. عشان يسيطر على نفسه، بدأ فوراً في روتين إحصاء الكفاءة: كل خطوة بيمشيها لازم تكون أسرع بنسبة 2% من الخطوة اللي قبلها، عينيه بتسجل ألوان العربيات اللي بتمر قدامه عشان يشتت تركيزه عن الدوشة. بيضغط على السلسلة الذهبية اللي لابسها تحت هدومه، ودي كانت الوتد الوحيد اللي بيربطه بالواقع.
وهو ماشي في زحمة بتزيد كل دقيقة، ظهر الشاب البلطجي "عنتر"، اللي كان بيراقب حركة يوسف من بعيد. عنتر شاف يوسف وماشي ببرود غريب، فقرر يستوقفه. نادى عليه بتهكم وسخرية، ويوسف تجاهله تماماً. يوسف كان عارف إن أي رد فعل هيغير خطة سيره المحسوبة. عنتر اتجنن من البرود ده، واندفع ناحية يوسف عشان يمسكه من كتفه. في اللحظة دي، يوسف استخدم تدريبه الرياضي الرهيب وذكائه الهندسي. هو حسب المسافة بالضبط بين إيد عنتر وكتفه، والوقت اللازم لرد الفعل. تحرك حركة جانبية سريعة جداً، خلى عنتر يندفع بقوته كلها في الهواء ويخبط في كشك سجاير جانبي. يوسف مكانش قصده يوقعه، يوسف كان قصده تطبيق قانون الحركة لتقليل الخسائر. الفوضى زادت حول عنتر، ويوسف استغل الارتباك وجري بسرعة جنونية في أقرب زقاق شافه في خرائطه الذهنية. هو مدرك إن أي تأخير يعني فشل الخطة بالكامل.
ضل يوسف ماشي ساعات طويلة جداً، بيواجه تعب الجسم وضغط الحواس. كل ما بيمشي، بيراقب أرقام لوحات المحلات اللي بيعدي عليها، بيحفظها في دماغه عشان يفضل عقله شغال ومنظم. بعد أربع ساعات مشي متواصل، بدأ جسمه يطلب الراحة. وصل لكوبري مشاة عالي ومهجور نسبياً، ودي كانت أول نقطة راحة مسموح بيها في خطته. قعد على السلم المعدني البارد، وطلع وجبته البسيطة (خبز وجبنة). هو مكنش بياكل عشان يستمتع، كان بياكل عشان يحافظ على روتين السعرات الحرارية اللي هتغطي المسافة الباقية.
طلع الخريطة القديمة اللي قصها من كتاب الملجأ. بدأ يحلل المسارات اللي توصل لمحطة القطار. اكتشف إن الطريق الرئيسي (الطريق الزراعي) طويل جداً، وفيه حوالي 18 إشارة مرور، وده معناه خسارة أكتر من ساعتين. لكن، ذاكرته فكرته بـ ممر لوجستي قديم شافه في كتب الملجأ: زقاق ضيق جداً اسمه "عبده الكسر" متوصل بـ تفريعة سكة حديد مهجورة بتدخل على الساحة الخلفية لمحطة قطار مصر. الممر ده مكنش مخصص للمشاة، كان طريق الخارجين عن النظام، لكنه كان هيوفر ساعتين كاملين من وقت الرحلة. يوسف ميهتمش بالخطر، هو مهتم بـ الكفاءة.
اخد يوسف قراره ونزل من الكوبري. بدأ يمشي في الزقاق المظلم والمهجور ده، المكان مليان أصوات غريبة وريحة قمامة فظيعة، ودي بتزيد من فوضى حواسه. لكنه قاوم، بيحسب الخطوات على القضبان القديمة المصدية.
في نص الطريق المهجور ده، لمح شيخ عجوز قاعد على الأرض بياكل. الشيخ بص ليوسف بهدوء.
الشيخ العجوز (بصوت تعبان): يا ابني! أنت ماشي في طريق غلط! الطريق ده نهايته مسدودة. لو رايح محطة القطر، لازم ترجع من ورا.
(يوسف وقف مكانه، بصل للشيخ.)
يوسف (بصوت هادي جداً): مش مسدودة. التفريعة اللي على الشمال دي، بتوصل لساحة الشحن الخلفية.
(الشيخ العجوز اتصدم. الممر ده محدش يعرفه غير العمال القدام قوي.)
الشيخ العجوز: إنت مين يا بني؟ إزاي عرفت ده؟
يوسف: الخريطة بتقول كده. النظام عمره ما بيتغير، حتى لو الناس نسيت مكانه.
(يوسف كمل مشي بسرعة، تاركاً الشيخ العجوز في ذهول. هو م عندوش وقت يضيعه في الكلام.)
وصل يوسف بالظبط زي ما الخريطة قالت. لقى نفسه في الساحة الخلفية للمحطة. ملابسه كانت متربة، لكن ملامحه كانت لسه هادية ومركزة. الزحام هنا كان منظم أكتر، حشود بتتحرك في خطوط مستقيمة، وده ريحه نفسياً. راح يوسف على شباك التذاكر واشترى تذكرة متجهة إلى محطة سيدي جابر بالإسكندرية.
دخل يوسف قاعة الانتظار. الزحام بدأ يزيد، فقرر يعمل حاجة عشان يسيطر على عقله. سحب دفتر ملاحظات صغير من جيبه (اللي كان بيسجل فيه حساباته في الملجأ) وبدأ يراقب حركة الناس. بدأ يسجل: "متوسط سرعة خطوة الراكب: 0.8 متر/ثانية. متوسط عدد الألوان في ملابس الركاب: 7 ألوان." التركيز على الأرقام كان بيخليه في عالم تاني، بعيد عن الفوضى.
القطار وصل. يوسف اختار مقعد هادي جنب الشباك، القطار انطلق مع آخر ضوء للغروب. يوسف حط راسه على الزجاج البارد، بيراقب أضواء القاهرة بتختفي. حس إن المرحلة دي انتهت خلاص، وبتبدأ مرحلة تانية كلها غموض.
يوسف (في سرّه، وهو ماسك السلسلة بإحكام وبيرفعها لفوق عشان النور الضعيف يلمع فيها): الـ (ن.ب) دي هي نقطة البداية. أنا دلوقتي في إسكندرية اللي شفتها في الخرائط. لازم ألاقي إجابة للسر ده
(2)
وصل يوسف محطة سيدي جابر بالإسكندرية مع بزوغ
الفجر. الإسكندرية كانت مختلفة عن فوضى القاهرة اللي شافها؛ هنا الضوضاء كانت أقل، بس الإحساس بالغنى والهدوء كان طاغي ومزعج ليوسف بنفس الدرجة. الأجواء كلها كانت جديدة عليه: ريحة الملح واليود اللي جاية من البحر، أصوات النورس، والزحمة المنظمة للعربيات الفارهة. يوسف حس إن دي مش مدينة، ده نظام جديد لازم يفك شفرته.
أول حاجة عملها يوسف هي تنفيذ روتين الأمان اللي خططه في الملجأ: ميبقاش في مكان واحد لمدة طويلة. بدأ يمشي على الكورنيش، عيونه الزرقاء بتسجل كل تفصيلة: ارتفاع المباني، نوع الزرع، أسماء الشوارع. كل معلومة كانت بتتخزن في ذاكرته كأنها خريطة جديدة. كان بيمشي بسرعة، وحاسس إن السلسلة اللي على رقبته هي اللي بتشده لقدام. هو مش بيسأل حد، هو بيخلي ذاكرته هي اللي تسأله.
بعد كام ساعة من المشي، يوسف وصل لمنطقة قصر البرون سليم. القصر كان ضخم، مبني على الطراز القديم، وواخد مساحة ضخمة بتطل مباشرة على البحر. سور عالي وضخم بيحميه، وكاميرات مراقبة متثبتة بدقة على زوايا محسوبة. يوسف وقف على الرصيف المقابل، وحس إن النظام هنا مغلق بالكامل ومفيش أي ثغرة ممكن يدخل منها.
في الوقت ده، كان البرون سليم (الجد، 70 سنة)، جالس في مكتبه الفخم داخل القصر. هو رجل ثري جداً، له هيبة وقسوة، لكنه مدمن على النظام والروتين الممل. البرون كان بيراجع ملفات الشحن المعقدة بتاعة شركته، وكل ورقة لازم تكون في مكانها بالظبط. معاه عثمان (مدير أعماله، 50 سنة)، راجل ذكي ومخادع، بيطمع في ثروة البرون.
عثمان (بخضوع): يا باشا، فيه نقص بسيط في بضاعة الشحن اللي وصلت النهارده. خمس كراتين.
البرون سليم (ببرود وغضب): خمسة؟ خمسة كراتين نقص في شركة زي شركتي؟ النظام انهار يا عثمان! مين المسؤول عن النظام ده؟ لو مكنش كل شيء تحت السيطرة، الشركة هتضيع!
البرون بيطرد عثمان من المكتب، وبيطلب إن كل الأوراق تتحرق لو فيها غلطة واحدة. البرون بيشوف إن حياته كلها مبنية على النظام الحديدي، وميعرفش إن حفيده اللي بيتصف بنفس الجنون بالنظام واقف على بابه.
بالليل، يوسف رجع لنفس المكان. لاحظ إن سيارة البرون الفخمة بتدخل القصر في توقيت محدد كل يوم. هو مكنش عايز يتسلل، يوسف عايز يدخل بنظامه الخاص. بدأ يراقب العمال اللي بيدخلوا القصر عشان ينظفوا المباني الملحقة بيه.
يوسف عرف من كلام عابر سمعه من بياع شاي إن البرون عنده مشكلة مزمنة: مكتبته الضخمة جداً بقت فوضى لا تُحتمل. محدش عارف يرتبها أو يجدولها بشكل صحيح. يوسف شاف إن دي هي الثغرة الوحيدة لدخول عالم البرون.
يوسف، اللي ذاكرته متخزنة فيها كل المعلومات عن التواريخ والأرقام، فكر في خطة. هو مش هيقول "أنا حفيدك"، هو هيقول "أنا الحل لنظامك المنهار".
تاني يوم الصبح، يوسف راح لمبنى إداري صغير تابع للقصر، وقابل مسؤول التوظيف.
مسؤول التوظيف (بتعالي): عايز تشتغل إيه يا ابني؟ شكل ملهوش خبرة!
يوسف (بهدوء وثقة تخلي المسؤول يتراجع): أنا مش عايز شغل سهل. أنا عايز المشكلة اللي محدش قادر يحلها. سمعت إن مكتبة البرون سليم فوضى. أنا الوحيد اللي هقدر أظبط النظام ده بالكامل في أسرع وقت.
مسؤول التوظيف (مندهش): مين اللي قالك على المكتبة دي؟ دي شغلة صعبة ومحدش قدر عليها!
يوسف: أنا هعملها. وهعملها بدون ما أتكلم كتير. كل اللي محتاجه: قلم، وورق، ووصول كامل للمكتبة. ولو فشلت، متدفعوش لي جنيه.
المدير وافق على مضض. يوسف دخل القصر لأول مرة، بس مش كحفيد، دخل كـ عامل ترتيب تحت الاختبار. وهو بيعدي من البوابة الضخمة، لمس السلسلة اللي على رقبته. دي كانت بداية الحرب.
دخل يوسف المكتبة. مجرد ما الباب اتقفل وراه، العالم كله بره اختفى. المكان ده مكنش مكتبة، دي كانت فوضى منظمة بتتحدى عقله. سقف عالي وضخم، وارفف بتوصل للسما، وريحة تراب ورق قديم خانقة. الكتب كانت مرصوصة فوق بعضها غلط، ومتناثرة على الأرض زي أوراق لعبة اتلخبطت. بالنسبة ليوسف، كان الإحساس ده زي صوت عالي جداً بيتخبط في ودانه. هو اضطر فوراً يشغل روتين الدفاع العقلي: سحب نفسه من كل دوشة، وركز عينيه الزرقاء على الأرقام.
يوسف رفض يستخدم أي نظام ترقيم قديم. هو بدأ يطبق نظامه الجديد: الترتيب الزمني الدقيق بالثانية اللي اتطبع فيها الكتاب. بدأ يمسك الكتب، مش بيقرا العناوين، هو بيعمل مسح ضوئي فوتوغرافي للصفحة الأولى والتاريخ والناشر، وفي عقله بيعمل جدول بيانات بيحدد مكان كل كتاب في الشبكة الجديدة. كان بيتحرك بسرعة عجيبة، إيديه بتمسك الكتاب، وعينيه بتسجله، ورجله بتنقله للمكان الصح.
بعد ساعتين شغل متواصل ومجنون، دخل عليه عثمان (مدير الأعمال)، جاي عشان يتفرج على فشل يوسف ويتريق عليه.
عثمان (بتعالي واضح): إيه يا معلم؟ لسه بتبدأ؟ أنت عارف إن المكتبة دي محدش قدر يرتبها في سنة؟ يا ابني روح شوفلك شغلانة بسيطة، ده البرون سليم لو عرف إنك بتلعب هيقطع رقبتك.
يوسف متلفتش ناحيته، كأنه مسمعش كلامه أصلاً. اكتفى بأنه يكمل رص الكتب. عثمان قرب منه وهو بيتمشى بغرور، لحد ما شاف يوسف عمل إيه. يوسف كان رص تلت المكتبة اللي على الشمال كلها، مش بس رص، ده رصها على حسب لون الغلاف وترتيب الأبجدية اللاتينية للناشر. عثمان اتصدم، معرفش إزاي الولد ده عمل ده كله في ساعتين بس!
عثمان (بغضب داخلي): إيه اللي بتعمله ده؟ مين قالك ترتب بالطريقة دي؟ ده البرون عنده نظام خاص، لو غيرته هيقلب الدنيا فوق دماغك!
يوسف (أخيراً بص له بنظرة ثابتة): النظام اللي بيتغير مش نظام. النظام اللي كان موجود هنا كان خطأ حسابي. أنا بصحح الخطأ.
كلام يوسف زاد من شك عثمان، اللي حس إن الولد ده مش عامل بسيط، ده ممكن يكون ليه قصة وهيهد عرشه. عثمان خرج بسرعة وهو بيفكر في طريقة يوقعه بيها.
بعد العصر، سمع يوسف صوت حذاء البرون سليم الصلب وهو جاي. البرون دخل المكتبة، ووقف عند الباب، ملامحه قاسية زي الحجر. مكنش مصدق إن حد دخل المكتبة دي ومخرجش مجنون.
البرون سليم (بصوت آمر): أنت اللي قولت إنك هتظبط الفوضى دي؟ إيه اللي عملته؟
يوسف: رتبت المكتبة على حسب تاريخ الطبعة، والوزن النسبي للكتاب، وحجم الخط الداخلي. دي أنظمة بتضمن إن الكتاب ميضيعش.
البرون سليم بصله باهتمام ممزوج بالريبة، وبعدين قرر يختبره.
البرون سليم: كتاب "عزلة الأزرق"، طبعة 1971، دار العروبة. قولي مكانه فين في نظامك ده؟
يوسف محتاجش يبص على أي رف. هو بيشوف الرفوف في دماغه زي شاشة كمبيوتر.
يوسف (بهدوء شديد): الكتاب ده مش في المكتبة. الكتاب ده مفقود من 20 سنة. كان المفروض يكون على الرف رقم (27)، العمود (ب)، على يمين كتاب "الذاكرة الهاربة".
البرون سليم اتحول وجهه لصدمة حقيقية. البرون نفسه هو اللي فقد الكتاب ده من سنين، ومحدش غيره كان يعرف المعلومة دي. ده مستحيل.
البرون سليم (بدهشة مقموعة): مين علمك كل ده؟
يوسف: النظام الداخلي.
البرون سليم مطالش الكلام، لكنه أمر يوسف يكمل شغله. وهو بيرجع لشغله، يوسف بيحرك مجموعة كتب قديمة في زاوية مظلمة، ولقى وراها كتاب صغير لونه أزرق غامق، الكتاب مكنش فيه عنوان. يوسف فتحه بسرعة، ولأول مرة، حس إن فيه حاجة بتشده بقوة.
جوه الكتاب، كانت فيه صورة قديمة جداً باهتة، صورة لشاب صغير واقف جنب البرون سليم وهو لسه شاب. والشاب الصغير ده كان لابس نفس السلسلة اللي على رقبة يوسف، ومكتوب تحت الصورة بخط إيد قديم وراقي: "ن.ب. ابني وحبيبي، روحي ونظامي. 1978".
في اللحظة دي، يوسف مسك السلسلة اللي على رقبته بقوة، عرف إن الشاب ده هو أبوه، وإن الـ (ن.ب) هي اختصار لـ "نوارة البرون"، ابنه اللي اختفى من حياته. يوسف محتاجش أكتر من كده عشان يعرف إن هو ده المكان الصح.
البرون سليم خرج من المكتبة بسرعة، وحس إن فيه حاجة غريبة قوي في الولد ده. راح على عثمان وهو متعصب.
البرون سليم (لـ عثمان): راقب الولد ده زي ضلك. متسبوش يعمل أي غلطة، وفي نفس الوقت، متخليهوش يحس إنك بتراقبه. الولد ده عنده نظام، وأنا محتاج النظام ده.
يوسف قفل الكتاب بسرعة وخبأه في هدومه. هو دلوقتي مش عامل ترتيب، هو متجسس بيرتب الأسرار.
يوسف (في سرّه، وهو بيبص على الصورة): نوارة البرون. أنا جيت عشان أصلح نظام عيلة كاملة
يوسف واقف في مكتبة البرون سليم. لسه ماسك الكتاب الأزرق القديم اللي فيه صورة أبوه، "ن.ب"، وهو شاب مع البرون. نبضات قلبه سريعة لكن ملامحه ثابتة. هو دلوقتي بقى عارف الحقيقة: هو حفيد البرون سليم، ودي مش مجرد سلسلة، ده تاريخ ضايع رجع لمكانه. خبأ يوسف الكتاب بسرعة في قميصه، ورجع يكمل ترتيب الكتب بتركيز أعمق، عشان ميدييش لأي حد فرصة إنه يشك فيه. هو دلوقتي مش بيشتغل عشان وظيفة، هو بيشتغل عشان العرش ونظام العيلة اللي انكسر.
في نفس الوقت، عثمان (مدير الأعمال) كان بيغلي من الغضب والشك في مكتبه. كلام يوسف عن "تصحيح الخطأ" في المكتبة، وذكائه الخارق اللي خلى البرون يندهش، كل ده كان بيخبط في خطة عثمان اللي بقالها سنين عشان يورث البرون. عثمان حس إن يوسف ده خطر حقيقي بيهدد مستقبله.
عثمان (لمساعده في التليفون، بصوت واطي ومُتعصب): الولد اللي اسمه يوسف ده لازم نعرف كل حاجة عنه. عايز أسرع تقرير عن أي حاجة عملها من ساعة ما دخل الإسكندرية. ده مش عامل، ده مسمار جديد بيحاول يتثبت في حيطة القصر.
عثمان قرر إنه مينتظرش التقرير. لازم يوقع يوسف في غلطة جوه القصر. راح بسرعة لمكتبة البرون.
عثمان (وهو بيدخل المكتبة فجأة): إيه يا يوسف؟ لسه بترص الكتب؟ البرون بعتني عشان أقولك: سيب الكتب وتعالى معايا دلوقتي. البرون سليم محتاجك في حاجة مهمة جدًا في أرشيف المستندات السري اللي تحت الأرض.
(أرشيف المستندات ده كان مفتاح ثروة البرون وأسراره كلها، وممنوع أي حد يدخله.)
يوسف بصلُه نظرة ثاقبة. هو عارف إن ده فخ، بس ده كان بالظبط اللي هو عايزه: وصول لمصادر معلومات جديدة.
يوسف (بهدوء شديد): أنا مبعملش حاجة غير بأمر مباشر من البرون. إذا كان هو اللي طلب، أنا ماشي.
نزل يوسف مع عثمان لل basement بتاع القصر. المكان كان ضلمة ومترب، وعبارة عن أرشيف ضخم لملفات شركاء البرون وخطابات قديمة وأسرار. عثمان ابتسم ابتسامة مكر.
عثمان (وهو بيشاور على كومة ملفات ضخمة): البرون عايز الملفات دي كلها تتنقل للمكتبة الرئيسية فورًا. لازم تخلصهم قبل آخر اليوم. بس فيه مشكلة صغيرة: الملفات دي مترتبة أبجدياً على حسب أسماء شركاء البرون، مش تواريخ. أنت هتعرف تعملها بالذاكرة بتاعتك دي؟
(عثمان كان فاكر كده إنه هيلخبط يوسف، اللي متعود يرتب بالتاريخ.)
يوسف لمس السلسلة بإيده. هو فعلاً كان متعود يرتب بالتاريخ، بس عثمان نسي حاجة: ذاكرة يوسف متصورة فيها كل شيء.
يوسف: الملف ده مش مترتب أبجدياً. الملف اللي فيه اسم (أحمد العجمي) مترتب بعد ملف (سعيد الجابري). وده غلط في النظام الأبجدي.
(عثمان اتصدم، لأن يوسف عرف الغلط في كومة ملفات عشوائية من مجرد نظرة.)
يوسف: أنا هخلص الأرشيف ده في نص الوقت المطلوب، وهعمله بنظام جديد اسمه "تسلسل الشراكة" اللي البرون نفسه كان بيستخدمه زمان.
(يوسف بدأ يشتغل بسرعة البرق. كان بيسحب الملف، بيعمل له مسح ضوئي، ويحطه في الترتيب الصح، كأنه مبرمج كمبيوتر.)
في الوقت ده، البرون سليم كان قاعد في مكتبه وحاسس بقلق. الولد ده رجع له ذكريات كتير قديمة. طلب من الحرس يراقب يوسف عن بُعد وهو شغال في الأرشيف.
البرون سليم (في نفسه، وهو ماسك صورة قديمة باهتة): الذاكرة دي، والبرود ده... ده مش غريب. ده نظام مكرر.
البرون فكر في ابنه نوارة اللي كان بيحب النظام لدرجة الجنون. بدأ يربط الخيوط.
في نهاية اليوم، يوسف خلص شغل الأرشيف بنسبة 90%. عثمان دخل وشاف الشغل المظبوط، اتجنن. بس لاحظ حاجة: يوسف كان ماسك ملف قديم جداً، مكتوب عليه "ممنوع الفتح - شخصي".
عثمان (بعصبية): إيه ده؟ أنت فتحت الملفات دي؟ الملف ده سري جداً وممنوع تفتحه! إيه اللي شفته؟
يوسف (رفع عينه، نظرة باردة وثاقبة): الروتين بيقول إن لما يكون فيه ملف مكتوب عليه "شخصي" بس مش مترتب في مكانه الصح، لازم أشوفه عشان أقدر أظبط النظام. الملف ده فيه صورة قديمة لأمك وأنت صغير.
(يوسف كذب بذكاء، عشان يخوف عثمان ويبعد الشك عنه.)
عثمان اتصدم، الملف ده فعلاً كان فيه حاجة شخصية ومش مهمة. لكنه عرف إن يوسف ده خطير، مش بس ذكي. عثمان خرج بسرعة عشان يغير خطته لـ الخطف.
يوسف عرف إنه دلوقتي وصل لقلب الأسرار. السلسلة على رقبته بدأت تدي له ثقة أقوى.
يوسف (في سرّه، وهو بيبص ناحية مكتب البرون): البرون سليم. دلوقتي عرفت مين أنا. جه الوقت إنك تعرف مين أنا، وإني جيت عشان أصلح النظام من جذوره
بعد ما يوسف خلص ترتيب أرشيف البرون السري بنظام مذهل، البرون سليم بقى مشدود على آخره. الولد ده رجّع له ذكريات ابنه نوارة، اللي كان عنده نفس الهوس بالنظام والذكاء الخارق. البرون كان حاسس إن الحقيقة قريبة، بس لسه مش قادر يربط بين يوسف العامل والسلسلة اللي سابها لابنه نوارة من سنين.
في نفس الوقت، عثمان (مدير الأعمال) كان على وشك الجنون. كذبة يوسف الذكية عن "صورة الأم" في الملف السري خوفت عثمان وخلته متأكد إن يوسف ده مش مجرد عامل. ده خطر كبير هيهديه ويضيع سنين طمعه في ثروة البرون. عثمان عرف إن لو البرون عرف أي حاجة عن ماضي يوسف، الموضوع هينتهي. لازم يوقف "النظام" ده قبل ما يدخل القصر بالكامل.
بالليل، يوسف كان في الغرفة البسيطة المخصصة له في المبنى الملحق بالقصر. هو مكنش بينام كتير، كان بيقضي وقته في تحليل المعلومات اللي شافها في الأرشيف وفي الكتاب الأزرق. بيحاول يربط تاريخ اختفاء أبوه نوارة بتاريخ ولادته هو.
(يوسف كان قاعد على السرير، ماسك السلسلة الذهبية ومركز فيها. فجأة، سمع صوت خبط خفيف ومقصود على باب الغرفة.)
يوسف عرف فوراً إن ده مش صوت روتين. مفيش حد بيخبط في التوقيت ده بالخفة دي. قام يوسف بسرعة، قوته الجسدية ظهرت، ووقف جنب الباب وهو في وضع استعداد.
صوت من بره (بهمس خافت): افتح يا يوسف، أنا من الأمن، البرون عايزك ضروري في مشكلة حصلت في المخازن!
يوسف عرف إن دي كدبة. مفيش مشكلة بتحصل في المخازن بالليل. لكنه فتح الباب بسرعة محسوبة.
أول ما الباب اتفتح، هجم عليه رجلان ضخمان تبع عثمان. يوسف استخدم سرعته ورد فعله العنيف اللي درّب عليه نفسه في الملجأ. ضرب واحد في الركبة بقوة كسر توازنه، وحاول يضرب التاني، بس التاني كان أسرع. ضربة قوية ومفاجئة على رأسه خلت الدنيا تدور بيه.
(يوسف وقع على الأرض، حاسس بدوخة شديدة، لكن قبل ما يغمى عليه، لمس السلسلة بإيده عشان متتخدش منه.)
عثمان دخل الغرفة وهو وشه كله غل.
عثمان (لرجاله): بسرعة! حطوه في العربية. محدش يشوف وشه، ومحدش يعرف إن الواد ده كان هنا أصلاً. إنسوا إنه دخل القصر.
نقلوه الرجالة بسرعة قصوى، وحطوه في شنطة عربية سوداء بعيدة عن القصر.
في نفس اللحظة دي، البرون سليم كان قاعد في مكتبه، بيراجع تقرير عن العامل الجديد "يوسف". التقرير كان بيقول إن يوسف ده ولد ملجأ، وحياته كلها كانت غامضة. البرون حس إن دي مش إجابة كافية. البرون قام من كرسيه، وراح للمكتبة، عايز يشوف يوسف.
وصل البرون للمكتبة، بس ملقاش يوسف. راح للغرفة الملحقة، ولقاها مقفولة. طلب من حارسه يفتح البرفة اللي كان يوسف قاعد فيها.
البرون سليم (لما شاف الغرفة فاضية): فين الولد؟ هو خرج من غير إذن؟
الحارس مكنش فاهم حاجة. البرون دخل الغرفة، وبدأ يمشي في كل زاوية، وفجأة، شاف على الأرض خيط رفيع مذهب لسه ملمع. البرون نزل وحط ايده عليه. الخيط ده كان خيط قماش قديم من بطانية كان مخبيها في خزنة القصر من سنين.
البرون سليم (بصدمة قوية وهلع): البطانية دي... الخيط ده بتاع البطانية اللي كان ابني نوارة لافف فيها هدية قديمة!
البرون سليم في اللحظة دي ربط كل شيء: الذاكرة الخارقة، النظام اللي بيطابق نظام نوارة، وآخر خيط من بطانية ابنه. البرون عرف إن يوسف هو حفيده، ابن "نوارة البرون" المفقود.
(في نفس الوقت، عربية عثمان كانت بتجري بسرعة جنونية في طريق مظلم بعيد عن الإسكندرية.)
البرون سليم (صوت غضبه بيهز القصر): عثمان! عثمان هو اللي عملها! هاتولي عثمان! لو الولد ده حصله حاجة، هخلي حياتكم كلها جحيم! أنا عايز حفيدي يوسف يرجع، فوراً!
الجزء الثالث
فتحت عيني يوسف ببطء. كان حاسس بصداع شديد من الضربة اللي خدها على دماغه. اكتشف إنه مرمي في مكان ضيق ومظلم زي مخزن قديم، والجو ريحة تراب وكمكمة. كان متكتف بإحكام بحبل خشن لدرجة متخليش أي حد يفكر يهرب. يوسف بدأ فوراً في روتين فك الشفرة للموقع: هو حسب الوقت اللي فات من لحظة الضربة لحد ما فاق، وقدر في ثواني يعرف إن المسافة اللي قطعوها كبيرة وإنهم خارج الإسكندرية. بدأ يركز على الأصوات اللي بتيجي من بره: صوت موج البحر بعيد، وصوت موتور سفينة قديمة. هو في مكان قريب من المينا القديمة.
بالنسبة ليوسف، الهروب مش محتاج قوة عضلات بس، محتاج حساب دقيق لثغرات النظام. بدأ يضغط على الحبل ببطء شديد، بيستخدم أطراف صوابعه في عمل احتكاك دقيق مع حبل التكتيف، عشان يفك أي ربطة غلط فيه. هو عارف إن أي حركة عنيفة هتجيب رجالة عثمان عليه.
في الوقت ده، كان البرون سليم في حالة غضب وجنون داخل القصر. هو دلوقتي مش بيدور على عامل هرب، هو بيدور على حفيده ووريث إمبراطوريته الوحيد. البرون أمر كل الحرس الخاص بيه إنهم يقلبوا الإسكندرية كلها ويجيبوا له عثمان حي أو ميت.
البرون سليم (لـ رئيس الحرس، بصوت مرعب): عثمان ده كان عارف كل حاجة! هو اللي خطف نوارة البرون الصغير! عايزكم تعرفوا كل تحركاته اللي فاتت والحالية. لو عرفتم مكانه، متكلمونيش، جيبوه هنا مربوط. النظام انهار بالكامل، ولازم نصلحه!
البرون سليم، اللي كان مدمن للروتين والبطء في اتخاذ القرار، بقى بيشتغل بسرعة جنونية، وكأنه رجع شاب. هو خايف من الفوضى، وعارف إن موت حفيده هيخلي حياته كلها بلا معنى.
في المخزن، يوسف كان لسه بيكافح مع الحبل، وبدأ يسمع صوت خطوات تقيلة جاية ناحيته. عرف إن الوقت خلص. نجح يوسف إنه يفك الحبل من على إيده الشمال بس، والتانية لسه مربوطة. عمل نفسه إنه مغمى عليه تاني، وخبأ إيده المفكوكة تحت جسمه.
دخل عثمان المخزن، وكان معاه رجله الضخم. عثمان وشه عليه علامات القلق، عارف إنه بيلعب بالنار.
عثمان (لرجله): الولد ده لازم يفضل مربوط ومحدش يشوفه. متخليش أي حد يقرب من المكان ده. بكرة الصبح هننقله مكان تاني وهنساومه بيه البرون.
عثمان قرب من يوسف عشان يتأكد إنه لسه مغمى عليه. في اللحظة اللي عثمان قرب فيها بالظبط، يوسف استخدم كل قوته اللي في جسمه الرياضي. ضرب عثمان بقدمه الحرة ضربة قوية ومباغتة في بطنه، خلت عثمان يصرخ ويقع على الأرض من الوجع. يوسف قام بسرعة رهيبة، ولسه إيده اليمين مربوطة.
الرجل الضخم اندفع ناحية يوسف، لكن يوسف كان أسرع. هو استغل الحبل اللي لسه مربوط في إيده، ولفه زي سوط على رقبة الرجل الضخم. يوسف مش بيصارع بـ "غضب"، بيصارع بـ "هندسة القوة". خنق يوسف الرجل الضخم لثواني، لحد ما وقع الرجل على الأرض فاقد للوعي.
يوسف بص على عثمان اللي كان بيحاول يوقف نفسه من الوجع. يوسف قرب منه، ونزل لمستواه، وعينيه الزرقاء بتنظر في عين عثمان بنظرة باردة ومرعبة.
يوسف (بهدوء شديد، وهو بيرفع السلسلة من تحت قميصه): النظام كان لازم يتصلح. النقص ده مكنش في الكراتين بس.
يوسف ساب عثمان ورجله فاقدين الوعي، وخرج بسرعة من المخزن. عرف إنه محتاج يلاقي عربية البرون بأسرع ما يمكن، أو على الأقل يوصل لمكان يقدر منه يتواصل مع حد. الهروب ده كان أول خطوة في خطة الانتقام الكبيرة
خرج يوسف من المخزن القديم وهو بيجري، جسمه تعبان بس عقله شغال بأقصى طاقة. الوقت كان بيجري ببطء، ويوسف كان محتاج يلاقي نقطة اتصال آمنة قبل ما عثمان يفوق ويرجع لوعيه. يوسف، اللي كان متعود يحلل أي نظام، افتكر نظام دوريات الأمن اللي في الميناء القريب. استخبى ورا شوية خشب، وبدأ يحسب التوقيت: الدوريات بتعدي كل 45 دقيقة بالظبط. قدامه 20 دقيقة بالكتير عشان يوصل لشارع رئيسي.
في الوقت ده في القصر، البرون سليم كان في حالة مكنتش على بال حد. القصر كله اتحول لخلية نحل بتنفذ أوامره بحذافيرها.
البرون سليم (وهو واقف قدام شاشة كبيرة عليها خرائط الإسكندرية): "أنا مش عايز مكالمات تليفون. أنا عايز نتائج حقيقية. عثمان ميعرفش يروح بعيد. هو جبان، وهيتصل بيا عشان يساومني بأول فرصة. بس لازم نكون أذكى منه."
افتكر البرون هوس حفيده بالنظام، وفتح ملفات ابنه المفقود نوارة القديمة. لقى ملاحظة كان نوارة كاتبها وهو مراهق: "كل ما النظام يقع، لازم نبتدي ندور من النقطة اللي كان مفروض تكون هي النهاية. نرجع لأصل الغلط."
فهم البرون الرسالة: لازم يدور على يوسف في مكان محدش يتوقعه، مكان يوسف كان ناوي يوصله قبل ما يتخطف. البرون أمر حراسه بـ "البحث عن أي حاجة غريبة أو أي حركة حوالين 'ملجأ الأمل' في القاهرة".
في الميناء القديم، يوسف وصل لكشك تليفون قديم. مكنش معاه فلوس، بس افتكر إن فيه رقم معين بتاع حارس من حراس البرون كان بيشتغل على نظام تشفير معين. يوسف جرب يدخل شوية أرقام عشوائية، وبعدين الرقم اللي فاكره. وفي تلات محاولات بس، نجح يوسف إنه يخترق الشبكة ويعمل مكالمة مجهولة على رقم البرون الشخصي.
رن تليفون البرون سليم في مكتبه. كانت مكالمة صامتة، بس البرون رد فوراً.
البرون سليم (بصوت ثابت ومسيطر): "مين معايا؟"
يوسف مردش، بس كتم صوته، وضغط على زرارين في التليفون بترتيب معين: (2) وبعده (7).
البرون سليم (بعلامات صدمة وهو بيفتكر معلومة المكتبة المفقودة): "27؟... كتاب عزلة الأزرق! أنت كويس، صح؟"
يوسف قفل السكة فوراً. بس الرسالة كانت وصلت بوضوح للبرون: يوسف بخير، ومعه المفتاح.
في نفس اللحظة، عثمان كان بدأ يفوق من الضربة. عرف إن يوسف هرب. بس مستجرأش يبلغ الشرطة خوفاً من البرون. رن تليفون عثمان، وكان البرون سليم هو اللي بيتصل.
البرون سليم (بصوت هادي وبارد لدرجة الخوف): "أيها المدير المخلص، يوسف اتصل بيا دلوقتي. هو بخير."
عثمان اتصدم، وجسمه ارتعش.
عثمان (وهو بيتلكع في الكلام): "أنا... أنا مش فاهم حاجة يا باشا. أنا كنت في اجتماع..."
البرون سليم: "مفيش كذب تاني. مكان مكالمة يوسف وصلني. أنت في الميناء القديم. اسمع يا عثمان، حفيدي سابلي رسالة واضحة. دلوقتي، أنا اللي هسيبلك رسالة: سلم نفسك بهدوء، أو أقسم لك إن النظام اللي هطبقه عليك هيكون قاسي لدرجة إنك هتتمنى الموت."
قفل البرون السكة. بص لرئيس الحرس.
البرون سليم: "روحوا الميناء القديم. بس متقبضوش على عثمان. راقبوا عثمان بس. حفيدي دلوقتي حر، وهيرجع عشان يكمل اللي بدأه. عثمان هيكون بالنسبة لينا فخ متحرك عشان يوسف يعرف إن طريق العودة آمن."
البرون عرف إن يوسف هيختفي دلوقتي عشان يجهز خطوته الجاية، ولازم يستخدم عثمان كطُعم عشان يطمن يوسف
يوسف كان بيجري في الشوارع الضلمة اللي على طرف البلد. بعد ما قفل السكة في وش البرون، حس بنوع من الرضا البارد. هو كده طمن جده إنه عايش، وفي نفس الوقت، اثبت له إن نظام يوسف أقوى من نظام القصر. يوسف مكانش بيدور على مكان ينام فيه، هو كان بيدور على مكان يقدر يعمل فيه نظام جديد يتحرك من خلاله.
يوسف وصل لمخزن مهجور، كان متوقع إن الشرطة مش هتدور هنا. بدأ يعمل روتينه القاسي: تمارين رياضية عشان يرجع تركيزه، وبعدين قعد على الأرض وهو بيراجع الخريطة الذهنية اللي في دماغه.
يوسف (في سرّه): "عثمان دلوقتي بقى طُعم. جدي عارف إن أنا مش هروح للشرطة، أنا هرجع للبيت. بس هرجع بطريقتي. لازم ألاقي الخيط اللي هيوصلني لـ صفية."
صفية، مديرة الملجأ، كانت هي نقطة البداية، ويوسف عارف إنها لازم تكون نقطة العودة الآمنة. هو متأكد إن عنده رسالة أو دليل مخفي في الملجأ ممكن يستخدمه كدليل قاطع ضد عثمان.
في القصر، البرون سليم كان قاعد في مكتبه. حواليه كل شاشات المراقبة متوجهة على الميناء القديم، مكان ما عثمان هرب.
البرون سليم (لرئيس الحرس): "عثمان هرب من ساعة، وده معناه إنه مجهز خطة. إحنا هنلعب على خوفه. سيبوه يتحرك بحرية لحد ما يوصل لحد يعرفه أو يثق فيه. أنا متأكد إن عثمان هيدور على فلوس عشان يهرب بره البلد."
البرون فكر في رمز (27) اللي بعته يوسف. هو رمز كتاب "عزلة الأزرق" المفقود. البرون نادى على أمين المكتبة القديم.
البرون سليم: "أنا عايزك تدور على الكتاب ده في كل مكان. الكتاب ده مش مجرد ورق، ده مفتاح للحقيقة. شوف الصفحات اللي في النص، شوف أي علامة أو رمز تاني."
(البرون كان عارف إن يوسف، زي أبوه نوارة، بيسيب رسائل في أي مكان بيحب فيه النظام.)
في المخزن، يوسف كان بيستعد. لبس جاكيت قديم لقاه، وخبأ السلسلة الذهبية تحت هدومه كويس. هو دلوقتي لازم يروح القاهرة، للملجأ. هو محتاج فلوس، بس مش هيبوظ نظامه بالسرقة العادية.
يوسف شاف في جريدة قديمة في المخزن إعلان عن مسابقة لـ حل شفرات رياضية معقدة بجائزة مالية ضخمة.
يوسف (بابتسامة باردة): "النظام هو العملة الحقيقية."
بدأ يوسف يحل المسابقة الذهنية اللي محتاجة أسابيع من التفكير، لكنه حلها في ساعة واحدة بس باستخدام الذاكرة الفوتوغرافية والمنطق الرياضي الخارق. أرسل يوسف الحل في رسالة مشفرة إلى الشركة المنظمة للمسابقة، وطلب إن الجائزة تتبعت على مكان محدد في القاهرة.
في نفس اللحظة، عثمان كان ماشي في شوارع الإسكندرية زي المجنون، مرعوب من البرون، ومش عارف يروح فين. قرر إنه يتصل بشخص واحد بس ممكن يساعده يهرب: شريك قديم كان بيساعده في عمليات التهريب القديمة.
عثمان وصل لنقطة اتصال قديمة، واتصل بالشريك ده.
عثمان (بهمس وخوف): "أنا محتاج قارب يخرجني من البلد دلوقتي. البرون هيقتلني. هاتلي فلوس وهنقسم كل حاجة. أنا معايا سر كبير هيساوي ملايين..."
رئيس الحرس بتاع البرون، اللي كان بيراقب المكالمات، عرف إن عثمان هيروح لمكان قديم ومتهالك.
رئيس الحرس (للبرون): "يا باشا، عثمان رايح لمكان اسمه 'زاوية النور' في المينا. ده مكان مهجور ومحدش بيروحه."
البرون سليم: "عثمان بيحفر قبره بإيديه. سيبوه يروح. أنا عايزكم تركزوا على القاهرة. يوسف راجع للملجأ."
وفي عز الليل، يوسف كان بيستقل أول قطار متجه للقاهرة. هو دلوقتي مش هارب، هو عائد ليعلن الحرب.
الدنيا كانت ليل وبرد قارس وقت فجر أول يوم في سنة جديدة، والسكون كان مطبق على باب ملجأ الأمل الضيق. المديرة صفية، وهي في الأربعينات، سيدة شايلة هموم الدنيا، صحت على صوت دقة خفيفة على الباب. فتحت بحذر مالقتش حد، لحد ما عينيها نزلت على سلة محطوطة على العتبة. صفية صرخت صرخة مكتومة وهي بتشوف جوا السلة *** رضيع، عينيه مفتوحة وبتبرق بلون أزرق سماوي غريب. مكنش بيبكي زي أي *** تاني، كان هادي ومُركز بشكل مش طبيعي كأنه بيراقب محيطه. صفية خدت الطفل لجوا وسمته يوسف. هي مكنتش تعرف إنها بتدخل لغز، هي كانت بتدخل قوة هتغير كل حاجة.
مرت السنين ويوسف كبر. بقى الطفل الأكثر عزلة وغرابة في الملجأ. كان بيكره الدوشة العالية واللمس المفاجئ، ودي كانت كوابيس بالنسبة لنظامه الداخلي. عشان كده، يوسف عاش في عزلة كاملة، بيقضي وقته في رص أي حاجة في صفوف هندسية مظبوطة بالملي. لما وصل لـ 10 سنين، كان أي كسر في نظامه ده بيعمله انهيار داخلي. في مرة، عبده البلطجي كسر له صفوف الحجارة اللي كان بيرتبها. يوسف محطش إيديه على ودانه بس، لأ، ده بدأ يكرر جملة واحدة بصوت هادي ومقطع: "التاريخ ده غلط. المعاد ده غلط. لازم يتصلح." صفية وقتها عرفت إن يوسف مش بس *** موحد، ده عقل بيحاول يصلح أخطاء الكون.
في مرحلة المراهقة، يوسف بدأ يلاقي طريقة عشان يتحمل الملجأ: تدريب جسده. كان بيستخدم أي مساحة فاضية في الملجأ عشان يعمل تمارين رياضية قاسية. هو مكنش بيلعب، هو كان بيدرب جسمه عشان يسيطر عليه بالكامل، زي ما بيسيطر على عقله. عشان كده، لما وصل لـ 18 سنة، جسمه كان رياضي ومنحوت، وقوته الجسدية كانت بتوازي قوة عقله، بس روحه كانت دايماً بعيدة وباردة زي التلج. في الوقت ده، صفية كانت بتعتمد عليه بشكل كامل في ترتيب الملفات المعقدة للملجأ. يوسف كان بيصور أي ورقة بعينيه وبيحفظها بالتواريخ، مش بس التواريخ، ده بيحفظ التوقيت بالساعة والدقيقة. في مرة، صفية سألته عن اسم المتبرع لأرض الملجأ اللي حصلت من سنين، يوسف بصلها لثواني وقالها: "اللي دفع الفلوس هو الحاج سعيد. والفلوس اتحولت يوم 15 أغسطس، الساعة 10:17 دقيقة الصبح بالظبط. والورقة دي اتحطت في ملف غلط." صفية وقتها حست إنها عايشة مع آلة زمن مش مع ***.
الفترة دي قضاها يوسف في صمت، بيقرأ في كل كتب الخرائط واللوجستيات والموانئ اللي لقاها في الملجأ، كأنه بيجهز نفسه لحرب في مكان هو لسه ميعرفوش. هو حس إن الإجابة على وجوده مش هتيجي لحد عنده.
لما يوسف وصل لسن 21 سنة، طلع على سطح الملجأ في ليلة مظلمة. كان لابس هدومه القديمة بس جسمه القوي بيبرز من تحتها. صفية طلعت وراه بقلب موجوع. هي عارفة إنها بتودع ابنها. يوسف بصلها بعينين ثابتة وقالها بهدوء حاسم: "أنا مش هعيش العمر كله في انتظار المعلومة. أنا دلوقتي عندي 21 سنة، لازم ألاقي سبب وجودي." صفية انهارت، عرفت إن مفيش كذب هينفع معاه. مدت إيدها وطلعت السلسلة الذهبية البسيطة اللي كانت مخبياها ليوسف تحت قميصه من يوم ما وصل. يوسف مسكها، وبدأ يركز بكل قوة ذهنه على الحرفين اللي عليها: (ن.ب). ذاكرته بدأت تربط الحرفين دول بالخرائط اللي شافها وبقانون قديم جداً عن ميناء الإسكندرية. يوسف قالها ببرود: "دي مش سلسلة، ده أول خيط في الروتين اللي لازم أصححه." صفية سألته هيروح فين، يوسف رد بثقة كلها تصميم: "هروح أدور على مكان الـ (ن.ب) ده. أنا رايح إسكندرية." يوسف سلم على صفية إيد بإيد، سلام حاسم وفاصل، ولبس السلسلة تحت هدومه، ومشي من الملجأ. هو عارف إنه مش هيرجع تاني إلا وهو لقى الإجابة
أكمل باقي الأجزاء ولا لا
خرج يوسف من بوابة الملجأ بعدما ودع صفية بسلامه الهادي والمحسوب. اللحظة دي كانت الانفجار الصامت لكل روتين بناه على مدار 21 سنة. العالم الخارجي هجم عليه بكل قوته. القاهرة كانت بتتنفس فوضى. الأضواء الزرقاء والصفراء والحمراء بتتداخل في عينيه، أصوات بياعين الخضار، صفارات العربيات، موسيقى الكاسيت اللي بتتداخل ببعضها، كل ده كان بيعمل قصف حسي ضخم على دماغه اللي متعودة على نظام الملجأ القديم. يوسف حاسس إن أعصابه بتتمزق، لكنه بيقاوم. عشان يسيطر على نفسه، بدأ فوراً في روتين إحصاء الكفاءة: كل خطوة بيمشيها لازم تكون أسرع بنسبة 2% من الخطوة اللي قبلها، عينيه بتسجل ألوان العربيات اللي بتمر قدامه عشان يشتت تركيزه عن الدوشة. بيضغط على السلسلة الذهبية اللي لابسها تحت هدومه، ودي كانت الوتد الوحيد اللي بيربطه بالواقع.
وهو ماشي في زحمة بتزيد كل دقيقة، ظهر الشاب البلطجي "عنتر"، اللي كان بيراقب حركة يوسف من بعيد. عنتر شاف يوسف وماشي ببرود غريب، فقرر يستوقفه. نادى عليه بتهكم وسخرية، ويوسف تجاهله تماماً. يوسف كان عارف إن أي رد فعل هيغير خطة سيره المحسوبة. عنتر اتجنن من البرود ده، واندفع ناحية يوسف عشان يمسكه من كتفه. في اللحظة دي، يوسف استخدم تدريبه الرياضي الرهيب وذكائه الهندسي. هو حسب المسافة بالضبط بين إيد عنتر وكتفه، والوقت اللازم لرد الفعل. تحرك حركة جانبية سريعة جداً، خلى عنتر يندفع بقوته كلها في الهواء ويخبط في كشك سجاير جانبي. يوسف مكانش قصده يوقعه، يوسف كان قصده تطبيق قانون الحركة لتقليل الخسائر. الفوضى زادت حول عنتر، ويوسف استغل الارتباك وجري بسرعة جنونية في أقرب زقاق شافه في خرائطه الذهنية. هو مدرك إن أي تأخير يعني فشل الخطة بالكامل.
ضل يوسف ماشي ساعات طويلة جداً، بيواجه تعب الجسم وضغط الحواس. كل ما بيمشي، بيراقب أرقام لوحات المحلات اللي بيعدي عليها، بيحفظها في دماغه عشان يفضل عقله شغال ومنظم. بعد أربع ساعات مشي متواصل، بدأ جسمه يطلب الراحة. وصل لكوبري مشاة عالي ومهجور نسبياً، ودي كانت أول نقطة راحة مسموح بيها في خطته. قعد على السلم المعدني البارد، وطلع وجبته البسيطة (خبز وجبنة). هو مكنش بياكل عشان يستمتع، كان بياكل عشان يحافظ على روتين السعرات الحرارية اللي هتغطي المسافة الباقية.
طلع الخريطة القديمة اللي قصها من كتاب الملجأ. بدأ يحلل المسارات اللي توصل لمحطة القطار. اكتشف إن الطريق الرئيسي (الطريق الزراعي) طويل جداً، وفيه حوالي 18 إشارة مرور، وده معناه خسارة أكتر من ساعتين. لكن، ذاكرته فكرته بـ ممر لوجستي قديم شافه في كتب الملجأ: زقاق ضيق جداً اسمه "عبده الكسر" متوصل بـ تفريعة سكة حديد مهجورة بتدخل على الساحة الخلفية لمحطة قطار مصر. الممر ده مكنش مخصص للمشاة، كان طريق الخارجين عن النظام، لكنه كان هيوفر ساعتين كاملين من وقت الرحلة. يوسف ميهتمش بالخطر، هو مهتم بـ الكفاءة.
اخد يوسف قراره ونزل من الكوبري. بدأ يمشي في الزقاق المظلم والمهجور ده، المكان مليان أصوات غريبة وريحة قمامة فظيعة، ودي بتزيد من فوضى حواسه. لكنه قاوم، بيحسب الخطوات على القضبان القديمة المصدية.
في نص الطريق المهجور ده، لمح شيخ عجوز قاعد على الأرض بياكل. الشيخ بص ليوسف بهدوء.
الشيخ العجوز (بصوت تعبان): يا ابني! أنت ماشي في طريق غلط! الطريق ده نهايته مسدودة. لو رايح محطة القطر، لازم ترجع من ورا.
(يوسف وقف مكانه، بصل للشيخ.)
يوسف (بصوت هادي جداً): مش مسدودة. التفريعة اللي على الشمال دي، بتوصل لساحة الشحن الخلفية.
(الشيخ العجوز اتصدم. الممر ده محدش يعرفه غير العمال القدام قوي.)
الشيخ العجوز: إنت مين يا بني؟ إزاي عرفت ده؟
يوسف: الخريطة بتقول كده. النظام عمره ما بيتغير، حتى لو الناس نسيت مكانه.
(يوسف كمل مشي بسرعة، تاركاً الشيخ العجوز في ذهول. هو م عندوش وقت يضيعه في الكلام.)
وصل يوسف بالظبط زي ما الخريطة قالت. لقى نفسه في الساحة الخلفية للمحطة. ملابسه كانت متربة، لكن ملامحه كانت لسه هادية ومركزة. الزحام هنا كان منظم أكتر، حشود بتتحرك في خطوط مستقيمة، وده ريحه نفسياً. راح يوسف على شباك التذاكر واشترى تذكرة متجهة إلى محطة سيدي جابر بالإسكندرية.
دخل يوسف قاعة الانتظار. الزحام بدأ يزيد، فقرر يعمل حاجة عشان يسيطر على عقله. سحب دفتر ملاحظات صغير من جيبه (اللي كان بيسجل فيه حساباته في الملجأ) وبدأ يراقب حركة الناس. بدأ يسجل: "متوسط سرعة خطوة الراكب: 0.8 متر/ثانية. متوسط عدد الألوان في ملابس الركاب: 7 ألوان." التركيز على الأرقام كان بيخليه في عالم تاني، بعيد عن الفوضى.
القطار وصل. يوسف اختار مقعد هادي جنب الشباك، القطار انطلق مع آخر ضوء للغروب. يوسف حط راسه على الزجاج البارد، بيراقب أضواء القاهرة بتختفي. حس إن المرحلة دي انتهت خلاص، وبتبدأ مرحلة تانية كلها غموض.
يوسف (في سرّه، وهو ماسك السلسلة بإحكام وبيرفعها لفوق عشان النور الضعيف يلمع فيها): الـ (ن.ب) دي هي نقطة البداية. أنا دلوقتي في إسكندرية اللي شفتها في الخرائط. لازم ألاقي إجابة للسر ده
(2)
وصل يوسف محطة سيدي جابر بالإسكندرية مع بزوغ
الفجر. الإسكندرية كانت مختلفة عن فوضى القاهرة اللي شافها؛ هنا الضوضاء كانت أقل، بس الإحساس بالغنى والهدوء كان طاغي ومزعج ليوسف بنفس الدرجة. الأجواء كلها كانت جديدة عليه: ريحة الملح واليود اللي جاية من البحر، أصوات النورس، والزحمة المنظمة للعربيات الفارهة. يوسف حس إن دي مش مدينة، ده نظام جديد لازم يفك شفرته.
أول حاجة عملها يوسف هي تنفيذ روتين الأمان اللي خططه في الملجأ: ميبقاش في مكان واحد لمدة طويلة. بدأ يمشي على الكورنيش، عيونه الزرقاء بتسجل كل تفصيلة: ارتفاع المباني، نوع الزرع، أسماء الشوارع. كل معلومة كانت بتتخزن في ذاكرته كأنها خريطة جديدة. كان بيمشي بسرعة، وحاسس إن السلسلة اللي على رقبته هي اللي بتشده لقدام. هو مش بيسأل حد، هو بيخلي ذاكرته هي اللي تسأله.
بعد كام ساعة من المشي، يوسف وصل لمنطقة قصر البرون سليم. القصر كان ضخم، مبني على الطراز القديم، وواخد مساحة ضخمة بتطل مباشرة على البحر. سور عالي وضخم بيحميه، وكاميرات مراقبة متثبتة بدقة على زوايا محسوبة. يوسف وقف على الرصيف المقابل، وحس إن النظام هنا مغلق بالكامل ومفيش أي ثغرة ممكن يدخل منها.
في الوقت ده، كان البرون سليم (الجد، 70 سنة)، جالس في مكتبه الفخم داخل القصر. هو رجل ثري جداً، له هيبة وقسوة، لكنه مدمن على النظام والروتين الممل. البرون كان بيراجع ملفات الشحن المعقدة بتاعة شركته، وكل ورقة لازم تكون في مكانها بالظبط. معاه عثمان (مدير أعماله، 50 سنة)، راجل ذكي ومخادع، بيطمع في ثروة البرون.
عثمان (بخضوع): يا باشا، فيه نقص بسيط في بضاعة الشحن اللي وصلت النهارده. خمس كراتين.
البرون سليم (ببرود وغضب): خمسة؟ خمسة كراتين نقص في شركة زي شركتي؟ النظام انهار يا عثمان! مين المسؤول عن النظام ده؟ لو مكنش كل شيء تحت السيطرة، الشركة هتضيع!
البرون بيطرد عثمان من المكتب، وبيطلب إن كل الأوراق تتحرق لو فيها غلطة واحدة. البرون بيشوف إن حياته كلها مبنية على النظام الحديدي، وميعرفش إن حفيده اللي بيتصف بنفس الجنون بالنظام واقف على بابه.
بالليل، يوسف رجع لنفس المكان. لاحظ إن سيارة البرون الفخمة بتدخل القصر في توقيت محدد كل يوم. هو مكنش عايز يتسلل، يوسف عايز يدخل بنظامه الخاص. بدأ يراقب العمال اللي بيدخلوا القصر عشان ينظفوا المباني الملحقة بيه.
يوسف عرف من كلام عابر سمعه من بياع شاي إن البرون عنده مشكلة مزمنة: مكتبته الضخمة جداً بقت فوضى لا تُحتمل. محدش عارف يرتبها أو يجدولها بشكل صحيح. يوسف شاف إن دي هي الثغرة الوحيدة لدخول عالم البرون.
يوسف، اللي ذاكرته متخزنة فيها كل المعلومات عن التواريخ والأرقام، فكر في خطة. هو مش هيقول "أنا حفيدك"، هو هيقول "أنا الحل لنظامك المنهار".
تاني يوم الصبح، يوسف راح لمبنى إداري صغير تابع للقصر، وقابل مسؤول التوظيف.
مسؤول التوظيف (بتعالي): عايز تشتغل إيه يا ابني؟ شكل ملهوش خبرة!
يوسف (بهدوء وثقة تخلي المسؤول يتراجع): أنا مش عايز شغل سهل. أنا عايز المشكلة اللي محدش قادر يحلها. سمعت إن مكتبة البرون سليم فوضى. أنا الوحيد اللي هقدر أظبط النظام ده بالكامل في أسرع وقت.
مسؤول التوظيف (مندهش): مين اللي قالك على المكتبة دي؟ دي شغلة صعبة ومحدش قدر عليها!
يوسف: أنا هعملها. وهعملها بدون ما أتكلم كتير. كل اللي محتاجه: قلم، وورق، ووصول كامل للمكتبة. ولو فشلت، متدفعوش لي جنيه.
المدير وافق على مضض. يوسف دخل القصر لأول مرة، بس مش كحفيد، دخل كـ عامل ترتيب تحت الاختبار. وهو بيعدي من البوابة الضخمة، لمس السلسلة اللي على رقبته. دي كانت بداية الحرب.
دخل يوسف المكتبة. مجرد ما الباب اتقفل وراه، العالم كله بره اختفى. المكان ده مكنش مكتبة، دي كانت فوضى منظمة بتتحدى عقله. سقف عالي وضخم، وارفف بتوصل للسما، وريحة تراب ورق قديم خانقة. الكتب كانت مرصوصة فوق بعضها غلط، ومتناثرة على الأرض زي أوراق لعبة اتلخبطت. بالنسبة ليوسف، كان الإحساس ده زي صوت عالي جداً بيتخبط في ودانه. هو اضطر فوراً يشغل روتين الدفاع العقلي: سحب نفسه من كل دوشة، وركز عينيه الزرقاء على الأرقام.
يوسف رفض يستخدم أي نظام ترقيم قديم. هو بدأ يطبق نظامه الجديد: الترتيب الزمني الدقيق بالثانية اللي اتطبع فيها الكتاب. بدأ يمسك الكتب، مش بيقرا العناوين، هو بيعمل مسح ضوئي فوتوغرافي للصفحة الأولى والتاريخ والناشر، وفي عقله بيعمل جدول بيانات بيحدد مكان كل كتاب في الشبكة الجديدة. كان بيتحرك بسرعة عجيبة، إيديه بتمسك الكتاب، وعينيه بتسجله، ورجله بتنقله للمكان الصح.
بعد ساعتين شغل متواصل ومجنون، دخل عليه عثمان (مدير الأعمال)، جاي عشان يتفرج على فشل يوسف ويتريق عليه.
عثمان (بتعالي واضح): إيه يا معلم؟ لسه بتبدأ؟ أنت عارف إن المكتبة دي محدش قدر يرتبها في سنة؟ يا ابني روح شوفلك شغلانة بسيطة، ده البرون سليم لو عرف إنك بتلعب هيقطع رقبتك.
يوسف متلفتش ناحيته، كأنه مسمعش كلامه أصلاً. اكتفى بأنه يكمل رص الكتب. عثمان قرب منه وهو بيتمشى بغرور، لحد ما شاف يوسف عمل إيه. يوسف كان رص تلت المكتبة اللي على الشمال كلها، مش بس رص، ده رصها على حسب لون الغلاف وترتيب الأبجدية اللاتينية للناشر. عثمان اتصدم، معرفش إزاي الولد ده عمل ده كله في ساعتين بس!
عثمان (بغضب داخلي): إيه اللي بتعمله ده؟ مين قالك ترتب بالطريقة دي؟ ده البرون عنده نظام خاص، لو غيرته هيقلب الدنيا فوق دماغك!
يوسف (أخيراً بص له بنظرة ثابتة): النظام اللي بيتغير مش نظام. النظام اللي كان موجود هنا كان خطأ حسابي. أنا بصحح الخطأ.
كلام يوسف زاد من شك عثمان، اللي حس إن الولد ده مش عامل بسيط، ده ممكن يكون ليه قصة وهيهد عرشه. عثمان خرج بسرعة وهو بيفكر في طريقة يوقعه بيها.
بعد العصر، سمع يوسف صوت حذاء البرون سليم الصلب وهو جاي. البرون دخل المكتبة، ووقف عند الباب، ملامحه قاسية زي الحجر. مكنش مصدق إن حد دخل المكتبة دي ومخرجش مجنون.
البرون سليم (بصوت آمر): أنت اللي قولت إنك هتظبط الفوضى دي؟ إيه اللي عملته؟
يوسف: رتبت المكتبة على حسب تاريخ الطبعة، والوزن النسبي للكتاب، وحجم الخط الداخلي. دي أنظمة بتضمن إن الكتاب ميضيعش.
البرون سليم بصله باهتمام ممزوج بالريبة، وبعدين قرر يختبره.
البرون سليم: كتاب "عزلة الأزرق"، طبعة 1971، دار العروبة. قولي مكانه فين في نظامك ده؟
يوسف محتاجش يبص على أي رف. هو بيشوف الرفوف في دماغه زي شاشة كمبيوتر.
يوسف (بهدوء شديد): الكتاب ده مش في المكتبة. الكتاب ده مفقود من 20 سنة. كان المفروض يكون على الرف رقم (27)، العمود (ب)، على يمين كتاب "الذاكرة الهاربة".
البرون سليم اتحول وجهه لصدمة حقيقية. البرون نفسه هو اللي فقد الكتاب ده من سنين، ومحدش غيره كان يعرف المعلومة دي. ده مستحيل.
البرون سليم (بدهشة مقموعة): مين علمك كل ده؟
يوسف: النظام الداخلي.
البرون سليم مطالش الكلام، لكنه أمر يوسف يكمل شغله. وهو بيرجع لشغله، يوسف بيحرك مجموعة كتب قديمة في زاوية مظلمة، ولقى وراها كتاب صغير لونه أزرق غامق، الكتاب مكنش فيه عنوان. يوسف فتحه بسرعة، ولأول مرة، حس إن فيه حاجة بتشده بقوة.
جوه الكتاب، كانت فيه صورة قديمة جداً باهتة، صورة لشاب صغير واقف جنب البرون سليم وهو لسه شاب. والشاب الصغير ده كان لابس نفس السلسلة اللي على رقبة يوسف، ومكتوب تحت الصورة بخط إيد قديم وراقي: "ن.ب. ابني وحبيبي، روحي ونظامي. 1978".
في اللحظة دي، يوسف مسك السلسلة اللي على رقبته بقوة، عرف إن الشاب ده هو أبوه، وإن الـ (ن.ب) هي اختصار لـ "نوارة البرون"، ابنه اللي اختفى من حياته. يوسف محتاجش أكتر من كده عشان يعرف إن هو ده المكان الصح.
البرون سليم خرج من المكتبة بسرعة، وحس إن فيه حاجة غريبة قوي في الولد ده. راح على عثمان وهو متعصب.
البرون سليم (لـ عثمان): راقب الولد ده زي ضلك. متسبوش يعمل أي غلطة، وفي نفس الوقت، متخليهوش يحس إنك بتراقبه. الولد ده عنده نظام، وأنا محتاج النظام ده.
يوسف قفل الكتاب بسرعة وخبأه في هدومه. هو دلوقتي مش عامل ترتيب، هو متجسس بيرتب الأسرار.
يوسف (في سرّه، وهو بيبص على الصورة): نوارة البرون. أنا جيت عشان أصلح نظام عيلة كاملة
يوسف واقف في مكتبة البرون سليم. لسه ماسك الكتاب الأزرق القديم اللي فيه صورة أبوه، "ن.ب"، وهو شاب مع البرون. نبضات قلبه سريعة لكن ملامحه ثابتة. هو دلوقتي بقى عارف الحقيقة: هو حفيد البرون سليم، ودي مش مجرد سلسلة، ده تاريخ ضايع رجع لمكانه. خبأ يوسف الكتاب بسرعة في قميصه، ورجع يكمل ترتيب الكتب بتركيز أعمق، عشان ميدييش لأي حد فرصة إنه يشك فيه. هو دلوقتي مش بيشتغل عشان وظيفة، هو بيشتغل عشان العرش ونظام العيلة اللي انكسر.
في نفس الوقت، عثمان (مدير الأعمال) كان بيغلي من الغضب والشك في مكتبه. كلام يوسف عن "تصحيح الخطأ" في المكتبة، وذكائه الخارق اللي خلى البرون يندهش، كل ده كان بيخبط في خطة عثمان اللي بقالها سنين عشان يورث البرون. عثمان حس إن يوسف ده خطر حقيقي بيهدد مستقبله.
عثمان (لمساعده في التليفون، بصوت واطي ومُتعصب): الولد اللي اسمه يوسف ده لازم نعرف كل حاجة عنه. عايز أسرع تقرير عن أي حاجة عملها من ساعة ما دخل الإسكندرية. ده مش عامل، ده مسمار جديد بيحاول يتثبت في حيطة القصر.
عثمان قرر إنه مينتظرش التقرير. لازم يوقع يوسف في غلطة جوه القصر. راح بسرعة لمكتبة البرون.
عثمان (وهو بيدخل المكتبة فجأة): إيه يا يوسف؟ لسه بترص الكتب؟ البرون بعتني عشان أقولك: سيب الكتب وتعالى معايا دلوقتي. البرون سليم محتاجك في حاجة مهمة جدًا في أرشيف المستندات السري اللي تحت الأرض.
(أرشيف المستندات ده كان مفتاح ثروة البرون وأسراره كلها، وممنوع أي حد يدخله.)
يوسف بصلُه نظرة ثاقبة. هو عارف إن ده فخ، بس ده كان بالظبط اللي هو عايزه: وصول لمصادر معلومات جديدة.
يوسف (بهدوء شديد): أنا مبعملش حاجة غير بأمر مباشر من البرون. إذا كان هو اللي طلب، أنا ماشي.
نزل يوسف مع عثمان لل basement بتاع القصر. المكان كان ضلمة ومترب، وعبارة عن أرشيف ضخم لملفات شركاء البرون وخطابات قديمة وأسرار. عثمان ابتسم ابتسامة مكر.
عثمان (وهو بيشاور على كومة ملفات ضخمة): البرون عايز الملفات دي كلها تتنقل للمكتبة الرئيسية فورًا. لازم تخلصهم قبل آخر اليوم. بس فيه مشكلة صغيرة: الملفات دي مترتبة أبجدياً على حسب أسماء شركاء البرون، مش تواريخ. أنت هتعرف تعملها بالذاكرة بتاعتك دي؟
(عثمان كان فاكر كده إنه هيلخبط يوسف، اللي متعود يرتب بالتاريخ.)
يوسف لمس السلسلة بإيده. هو فعلاً كان متعود يرتب بالتاريخ، بس عثمان نسي حاجة: ذاكرة يوسف متصورة فيها كل شيء.
يوسف: الملف ده مش مترتب أبجدياً. الملف اللي فيه اسم (أحمد العجمي) مترتب بعد ملف (سعيد الجابري). وده غلط في النظام الأبجدي.
(عثمان اتصدم، لأن يوسف عرف الغلط في كومة ملفات عشوائية من مجرد نظرة.)
يوسف: أنا هخلص الأرشيف ده في نص الوقت المطلوب، وهعمله بنظام جديد اسمه "تسلسل الشراكة" اللي البرون نفسه كان بيستخدمه زمان.
(يوسف بدأ يشتغل بسرعة البرق. كان بيسحب الملف، بيعمل له مسح ضوئي، ويحطه في الترتيب الصح، كأنه مبرمج كمبيوتر.)
في الوقت ده، البرون سليم كان قاعد في مكتبه وحاسس بقلق. الولد ده رجع له ذكريات كتير قديمة. طلب من الحرس يراقب يوسف عن بُعد وهو شغال في الأرشيف.
البرون سليم (في نفسه، وهو ماسك صورة قديمة باهتة): الذاكرة دي، والبرود ده... ده مش غريب. ده نظام مكرر.
البرون فكر في ابنه نوارة اللي كان بيحب النظام لدرجة الجنون. بدأ يربط الخيوط.
في نهاية اليوم، يوسف خلص شغل الأرشيف بنسبة 90%. عثمان دخل وشاف الشغل المظبوط، اتجنن. بس لاحظ حاجة: يوسف كان ماسك ملف قديم جداً، مكتوب عليه "ممنوع الفتح - شخصي".
عثمان (بعصبية): إيه ده؟ أنت فتحت الملفات دي؟ الملف ده سري جداً وممنوع تفتحه! إيه اللي شفته؟
يوسف (رفع عينه، نظرة باردة وثاقبة): الروتين بيقول إن لما يكون فيه ملف مكتوب عليه "شخصي" بس مش مترتب في مكانه الصح، لازم أشوفه عشان أقدر أظبط النظام. الملف ده فيه صورة قديمة لأمك وأنت صغير.
(يوسف كذب بذكاء، عشان يخوف عثمان ويبعد الشك عنه.)
عثمان اتصدم، الملف ده فعلاً كان فيه حاجة شخصية ومش مهمة. لكنه عرف إن يوسف ده خطير، مش بس ذكي. عثمان خرج بسرعة عشان يغير خطته لـ الخطف.
يوسف عرف إنه دلوقتي وصل لقلب الأسرار. السلسلة على رقبته بدأت تدي له ثقة أقوى.
يوسف (في سرّه، وهو بيبص ناحية مكتب البرون): البرون سليم. دلوقتي عرفت مين أنا. جه الوقت إنك تعرف مين أنا، وإني جيت عشان أصلح النظام من جذوره
بعد ما يوسف خلص ترتيب أرشيف البرون السري بنظام مذهل، البرون سليم بقى مشدود على آخره. الولد ده رجّع له ذكريات ابنه نوارة، اللي كان عنده نفس الهوس بالنظام والذكاء الخارق. البرون كان حاسس إن الحقيقة قريبة، بس لسه مش قادر يربط بين يوسف العامل والسلسلة اللي سابها لابنه نوارة من سنين.
في نفس الوقت، عثمان (مدير الأعمال) كان على وشك الجنون. كذبة يوسف الذكية عن "صورة الأم" في الملف السري خوفت عثمان وخلته متأكد إن يوسف ده مش مجرد عامل. ده خطر كبير هيهديه ويضيع سنين طمعه في ثروة البرون. عثمان عرف إن لو البرون عرف أي حاجة عن ماضي يوسف، الموضوع هينتهي. لازم يوقف "النظام" ده قبل ما يدخل القصر بالكامل.
بالليل، يوسف كان في الغرفة البسيطة المخصصة له في المبنى الملحق بالقصر. هو مكنش بينام كتير، كان بيقضي وقته في تحليل المعلومات اللي شافها في الأرشيف وفي الكتاب الأزرق. بيحاول يربط تاريخ اختفاء أبوه نوارة بتاريخ ولادته هو.
(يوسف كان قاعد على السرير، ماسك السلسلة الذهبية ومركز فيها. فجأة، سمع صوت خبط خفيف ومقصود على باب الغرفة.)
يوسف عرف فوراً إن ده مش صوت روتين. مفيش حد بيخبط في التوقيت ده بالخفة دي. قام يوسف بسرعة، قوته الجسدية ظهرت، ووقف جنب الباب وهو في وضع استعداد.
صوت من بره (بهمس خافت): افتح يا يوسف، أنا من الأمن، البرون عايزك ضروري في مشكلة حصلت في المخازن!
يوسف عرف إن دي كدبة. مفيش مشكلة بتحصل في المخازن بالليل. لكنه فتح الباب بسرعة محسوبة.
أول ما الباب اتفتح، هجم عليه رجلان ضخمان تبع عثمان. يوسف استخدم سرعته ورد فعله العنيف اللي درّب عليه نفسه في الملجأ. ضرب واحد في الركبة بقوة كسر توازنه، وحاول يضرب التاني، بس التاني كان أسرع. ضربة قوية ومفاجئة على رأسه خلت الدنيا تدور بيه.
(يوسف وقع على الأرض، حاسس بدوخة شديدة، لكن قبل ما يغمى عليه، لمس السلسلة بإيده عشان متتخدش منه.)
عثمان دخل الغرفة وهو وشه كله غل.
عثمان (لرجاله): بسرعة! حطوه في العربية. محدش يشوف وشه، ومحدش يعرف إن الواد ده كان هنا أصلاً. إنسوا إنه دخل القصر.
نقلوه الرجالة بسرعة قصوى، وحطوه في شنطة عربية سوداء بعيدة عن القصر.
في نفس اللحظة دي، البرون سليم كان قاعد في مكتبه، بيراجع تقرير عن العامل الجديد "يوسف". التقرير كان بيقول إن يوسف ده ولد ملجأ، وحياته كلها كانت غامضة. البرون حس إن دي مش إجابة كافية. البرون قام من كرسيه، وراح للمكتبة، عايز يشوف يوسف.
وصل البرون للمكتبة، بس ملقاش يوسف. راح للغرفة الملحقة، ولقاها مقفولة. طلب من حارسه يفتح البرفة اللي كان يوسف قاعد فيها.
البرون سليم (لما شاف الغرفة فاضية): فين الولد؟ هو خرج من غير إذن؟
الحارس مكنش فاهم حاجة. البرون دخل الغرفة، وبدأ يمشي في كل زاوية، وفجأة، شاف على الأرض خيط رفيع مذهب لسه ملمع. البرون نزل وحط ايده عليه. الخيط ده كان خيط قماش قديم من بطانية كان مخبيها في خزنة القصر من سنين.
البرون سليم (بصدمة قوية وهلع): البطانية دي... الخيط ده بتاع البطانية اللي كان ابني نوارة لافف فيها هدية قديمة!
البرون سليم في اللحظة دي ربط كل شيء: الذاكرة الخارقة، النظام اللي بيطابق نظام نوارة، وآخر خيط من بطانية ابنه. البرون عرف إن يوسف هو حفيده، ابن "نوارة البرون" المفقود.
(في نفس الوقت، عربية عثمان كانت بتجري بسرعة جنونية في طريق مظلم بعيد عن الإسكندرية.)
البرون سليم (صوت غضبه بيهز القصر): عثمان! عثمان هو اللي عملها! هاتولي عثمان! لو الولد ده حصله حاجة، هخلي حياتكم كلها جحيم! أنا عايز حفيدي يوسف يرجع، فوراً!
الجزء الثالث
فتحت عيني يوسف ببطء. كان حاسس بصداع شديد من الضربة اللي خدها على دماغه. اكتشف إنه مرمي في مكان ضيق ومظلم زي مخزن قديم، والجو ريحة تراب وكمكمة. كان متكتف بإحكام بحبل خشن لدرجة متخليش أي حد يفكر يهرب. يوسف بدأ فوراً في روتين فك الشفرة للموقع: هو حسب الوقت اللي فات من لحظة الضربة لحد ما فاق، وقدر في ثواني يعرف إن المسافة اللي قطعوها كبيرة وإنهم خارج الإسكندرية. بدأ يركز على الأصوات اللي بتيجي من بره: صوت موج البحر بعيد، وصوت موتور سفينة قديمة. هو في مكان قريب من المينا القديمة.
بالنسبة ليوسف، الهروب مش محتاج قوة عضلات بس، محتاج حساب دقيق لثغرات النظام. بدأ يضغط على الحبل ببطء شديد، بيستخدم أطراف صوابعه في عمل احتكاك دقيق مع حبل التكتيف، عشان يفك أي ربطة غلط فيه. هو عارف إن أي حركة عنيفة هتجيب رجالة عثمان عليه.
في الوقت ده، كان البرون سليم في حالة غضب وجنون داخل القصر. هو دلوقتي مش بيدور على عامل هرب، هو بيدور على حفيده ووريث إمبراطوريته الوحيد. البرون أمر كل الحرس الخاص بيه إنهم يقلبوا الإسكندرية كلها ويجيبوا له عثمان حي أو ميت.
البرون سليم (لـ رئيس الحرس، بصوت مرعب): عثمان ده كان عارف كل حاجة! هو اللي خطف نوارة البرون الصغير! عايزكم تعرفوا كل تحركاته اللي فاتت والحالية. لو عرفتم مكانه، متكلمونيش، جيبوه هنا مربوط. النظام انهار بالكامل، ولازم نصلحه!
البرون سليم، اللي كان مدمن للروتين والبطء في اتخاذ القرار، بقى بيشتغل بسرعة جنونية، وكأنه رجع شاب. هو خايف من الفوضى، وعارف إن موت حفيده هيخلي حياته كلها بلا معنى.
في المخزن، يوسف كان لسه بيكافح مع الحبل، وبدأ يسمع صوت خطوات تقيلة جاية ناحيته. عرف إن الوقت خلص. نجح يوسف إنه يفك الحبل من على إيده الشمال بس، والتانية لسه مربوطة. عمل نفسه إنه مغمى عليه تاني، وخبأ إيده المفكوكة تحت جسمه.
دخل عثمان المخزن، وكان معاه رجله الضخم. عثمان وشه عليه علامات القلق، عارف إنه بيلعب بالنار.
عثمان (لرجله): الولد ده لازم يفضل مربوط ومحدش يشوفه. متخليش أي حد يقرب من المكان ده. بكرة الصبح هننقله مكان تاني وهنساومه بيه البرون.
عثمان قرب من يوسف عشان يتأكد إنه لسه مغمى عليه. في اللحظة اللي عثمان قرب فيها بالظبط، يوسف استخدم كل قوته اللي في جسمه الرياضي. ضرب عثمان بقدمه الحرة ضربة قوية ومباغتة في بطنه، خلت عثمان يصرخ ويقع على الأرض من الوجع. يوسف قام بسرعة رهيبة، ولسه إيده اليمين مربوطة.
الرجل الضخم اندفع ناحية يوسف، لكن يوسف كان أسرع. هو استغل الحبل اللي لسه مربوط في إيده، ولفه زي سوط على رقبة الرجل الضخم. يوسف مش بيصارع بـ "غضب"، بيصارع بـ "هندسة القوة". خنق يوسف الرجل الضخم لثواني، لحد ما وقع الرجل على الأرض فاقد للوعي.
يوسف بص على عثمان اللي كان بيحاول يوقف نفسه من الوجع. يوسف قرب منه، ونزل لمستواه، وعينيه الزرقاء بتنظر في عين عثمان بنظرة باردة ومرعبة.
يوسف (بهدوء شديد، وهو بيرفع السلسلة من تحت قميصه): النظام كان لازم يتصلح. النقص ده مكنش في الكراتين بس.
يوسف ساب عثمان ورجله فاقدين الوعي، وخرج بسرعة من المخزن. عرف إنه محتاج يلاقي عربية البرون بأسرع ما يمكن، أو على الأقل يوصل لمكان يقدر منه يتواصل مع حد. الهروب ده كان أول خطوة في خطة الانتقام الكبيرة
خرج يوسف من المخزن القديم وهو بيجري، جسمه تعبان بس عقله شغال بأقصى طاقة. الوقت كان بيجري ببطء، ويوسف كان محتاج يلاقي نقطة اتصال آمنة قبل ما عثمان يفوق ويرجع لوعيه. يوسف، اللي كان متعود يحلل أي نظام، افتكر نظام دوريات الأمن اللي في الميناء القريب. استخبى ورا شوية خشب، وبدأ يحسب التوقيت: الدوريات بتعدي كل 45 دقيقة بالظبط. قدامه 20 دقيقة بالكتير عشان يوصل لشارع رئيسي.
في الوقت ده في القصر، البرون سليم كان في حالة مكنتش على بال حد. القصر كله اتحول لخلية نحل بتنفذ أوامره بحذافيرها.
البرون سليم (وهو واقف قدام شاشة كبيرة عليها خرائط الإسكندرية): "أنا مش عايز مكالمات تليفون. أنا عايز نتائج حقيقية. عثمان ميعرفش يروح بعيد. هو جبان، وهيتصل بيا عشان يساومني بأول فرصة. بس لازم نكون أذكى منه."
افتكر البرون هوس حفيده بالنظام، وفتح ملفات ابنه المفقود نوارة القديمة. لقى ملاحظة كان نوارة كاتبها وهو مراهق: "كل ما النظام يقع، لازم نبتدي ندور من النقطة اللي كان مفروض تكون هي النهاية. نرجع لأصل الغلط."
فهم البرون الرسالة: لازم يدور على يوسف في مكان محدش يتوقعه، مكان يوسف كان ناوي يوصله قبل ما يتخطف. البرون أمر حراسه بـ "البحث عن أي حاجة غريبة أو أي حركة حوالين 'ملجأ الأمل' في القاهرة".
في الميناء القديم، يوسف وصل لكشك تليفون قديم. مكنش معاه فلوس، بس افتكر إن فيه رقم معين بتاع حارس من حراس البرون كان بيشتغل على نظام تشفير معين. يوسف جرب يدخل شوية أرقام عشوائية، وبعدين الرقم اللي فاكره. وفي تلات محاولات بس، نجح يوسف إنه يخترق الشبكة ويعمل مكالمة مجهولة على رقم البرون الشخصي.
رن تليفون البرون سليم في مكتبه. كانت مكالمة صامتة، بس البرون رد فوراً.
البرون سليم (بصوت ثابت ومسيطر): "مين معايا؟"
يوسف مردش، بس كتم صوته، وضغط على زرارين في التليفون بترتيب معين: (2) وبعده (7).
البرون سليم (بعلامات صدمة وهو بيفتكر معلومة المكتبة المفقودة): "27؟... كتاب عزلة الأزرق! أنت كويس، صح؟"
يوسف قفل السكة فوراً. بس الرسالة كانت وصلت بوضوح للبرون: يوسف بخير، ومعه المفتاح.
في نفس اللحظة، عثمان كان بدأ يفوق من الضربة. عرف إن يوسف هرب. بس مستجرأش يبلغ الشرطة خوفاً من البرون. رن تليفون عثمان، وكان البرون سليم هو اللي بيتصل.
البرون سليم (بصوت هادي وبارد لدرجة الخوف): "أيها المدير المخلص، يوسف اتصل بيا دلوقتي. هو بخير."
عثمان اتصدم، وجسمه ارتعش.
عثمان (وهو بيتلكع في الكلام): "أنا... أنا مش فاهم حاجة يا باشا. أنا كنت في اجتماع..."
البرون سليم: "مفيش كذب تاني. مكان مكالمة يوسف وصلني. أنت في الميناء القديم. اسمع يا عثمان، حفيدي سابلي رسالة واضحة. دلوقتي، أنا اللي هسيبلك رسالة: سلم نفسك بهدوء، أو أقسم لك إن النظام اللي هطبقه عليك هيكون قاسي لدرجة إنك هتتمنى الموت."
قفل البرون السكة. بص لرئيس الحرس.
البرون سليم: "روحوا الميناء القديم. بس متقبضوش على عثمان. راقبوا عثمان بس. حفيدي دلوقتي حر، وهيرجع عشان يكمل اللي بدأه. عثمان هيكون بالنسبة لينا فخ متحرك عشان يوسف يعرف إن طريق العودة آمن."
البرون عرف إن يوسف هيختفي دلوقتي عشان يجهز خطوته الجاية، ولازم يستخدم عثمان كطُعم عشان يطمن يوسف
يوسف كان بيجري في الشوارع الضلمة اللي على طرف البلد. بعد ما قفل السكة في وش البرون، حس بنوع من الرضا البارد. هو كده طمن جده إنه عايش، وفي نفس الوقت، اثبت له إن نظام يوسف أقوى من نظام القصر. يوسف مكانش بيدور على مكان ينام فيه، هو كان بيدور على مكان يقدر يعمل فيه نظام جديد يتحرك من خلاله.
يوسف وصل لمخزن مهجور، كان متوقع إن الشرطة مش هتدور هنا. بدأ يعمل روتينه القاسي: تمارين رياضية عشان يرجع تركيزه، وبعدين قعد على الأرض وهو بيراجع الخريطة الذهنية اللي في دماغه.
يوسف (في سرّه): "عثمان دلوقتي بقى طُعم. جدي عارف إن أنا مش هروح للشرطة، أنا هرجع للبيت. بس هرجع بطريقتي. لازم ألاقي الخيط اللي هيوصلني لـ صفية."
صفية، مديرة الملجأ، كانت هي نقطة البداية، ويوسف عارف إنها لازم تكون نقطة العودة الآمنة. هو متأكد إن عنده رسالة أو دليل مخفي في الملجأ ممكن يستخدمه كدليل قاطع ضد عثمان.
في القصر، البرون سليم كان قاعد في مكتبه. حواليه كل شاشات المراقبة متوجهة على الميناء القديم، مكان ما عثمان هرب.
البرون سليم (لرئيس الحرس): "عثمان هرب من ساعة، وده معناه إنه مجهز خطة. إحنا هنلعب على خوفه. سيبوه يتحرك بحرية لحد ما يوصل لحد يعرفه أو يثق فيه. أنا متأكد إن عثمان هيدور على فلوس عشان يهرب بره البلد."
البرون فكر في رمز (27) اللي بعته يوسف. هو رمز كتاب "عزلة الأزرق" المفقود. البرون نادى على أمين المكتبة القديم.
البرون سليم: "أنا عايزك تدور على الكتاب ده في كل مكان. الكتاب ده مش مجرد ورق، ده مفتاح للحقيقة. شوف الصفحات اللي في النص، شوف أي علامة أو رمز تاني."
(البرون كان عارف إن يوسف، زي أبوه نوارة، بيسيب رسائل في أي مكان بيحب فيه النظام.)
في المخزن، يوسف كان بيستعد. لبس جاكيت قديم لقاه، وخبأ السلسلة الذهبية تحت هدومه كويس. هو دلوقتي لازم يروح القاهرة، للملجأ. هو محتاج فلوس، بس مش هيبوظ نظامه بالسرقة العادية.
يوسف شاف في جريدة قديمة في المخزن إعلان عن مسابقة لـ حل شفرات رياضية معقدة بجائزة مالية ضخمة.
يوسف (بابتسامة باردة): "النظام هو العملة الحقيقية."
بدأ يوسف يحل المسابقة الذهنية اللي محتاجة أسابيع من التفكير، لكنه حلها في ساعة واحدة بس باستخدام الذاكرة الفوتوغرافية والمنطق الرياضي الخارق. أرسل يوسف الحل في رسالة مشفرة إلى الشركة المنظمة للمسابقة، وطلب إن الجائزة تتبعت على مكان محدد في القاهرة.
في نفس اللحظة، عثمان كان ماشي في شوارع الإسكندرية زي المجنون، مرعوب من البرون، ومش عارف يروح فين. قرر إنه يتصل بشخص واحد بس ممكن يساعده يهرب: شريك قديم كان بيساعده في عمليات التهريب القديمة.
عثمان وصل لنقطة اتصال قديمة، واتصل بالشريك ده.
عثمان (بهمس وخوف): "أنا محتاج قارب يخرجني من البلد دلوقتي. البرون هيقتلني. هاتلي فلوس وهنقسم كل حاجة. أنا معايا سر كبير هيساوي ملايين..."
رئيس الحرس بتاع البرون، اللي كان بيراقب المكالمات، عرف إن عثمان هيروح لمكان قديم ومتهالك.
رئيس الحرس (للبرون): "يا باشا، عثمان رايح لمكان اسمه 'زاوية النور' في المينا. ده مكان مهجور ومحدش بيروحه."
البرون سليم: "عثمان بيحفر قبره بإيديه. سيبوه يروح. أنا عايزكم تركزوا على القاهرة. يوسف راجع للملجأ."
وفي عز الليل، يوسف كان بيستقل أول قطار متجه للقاهرة. هو دلوقتي مش هارب، هو عائد ليعلن الحرب.